قال:"وقد رأيت جماعةً من الحفاظ المتأخرين غلطوا في مثل هذا، فنفوا رواية البخاري أحاديث هي موجودة في صحيحه في غير مظانها السابقة إلى الفهم".
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أحياناً يغرب في الاستنباط ويبعد، وإذا أراد الباحث قبل وجود هذه الفهارس وقبل وجود هذه الآلات التي يسرت على الناس أن يبحث عن حديثٍ ما فإنه يشق عليه أن يقف عليه؛ لأنه يقدر أنه في الباب الفلاني، والإمام البخاري لحظ في الحديث ملحظاً آخر فجعله في باب بعيد كل البعد عن هذا الباب أو عن جميع الكتاب، الكتاب الذي يدخل ضمن هذا الباب، فمثلاً حديث ضباعة بنت الزبير لما أرادت الحج وقالت: أريد الحج وأجدني شاكية، فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حجي واشترطي)) موضوع الحديث عند عموم الناس وعند عموم المتعلمين موضوع الاشتراط في الحج، فالباحث حينما يريد أن يقف على هذا الحديث في الصحيح لا يمكن أن يتعدى كتاب الحج، فإذا بحث في كتاب الحج من أوله إلى آخره لن يجد هذا الحديث، حتى قال جمعٌ من أهل العلم: أن البخاري لم يخرج هذا الحديث، لكن الإمام البخاري أبعد في الاستنباط فخرج الحديث في كتاب النكاح، ولحظ فيه أن ضباعة تحت المقداد، وكانت ضباعة تحت المقداد -طيب- إذا كانت تحت المقداد والمقداد مولى، وهي قرشية هاشمية ابنة عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فلحظ عدم الكفاءة، وعدم اشتراط الكفاءة في النسب، وترجم على الحديث بقوله -رحمه الله تعالى-: (باب الأكفاء في الدين).
نعم، قد يقول قائل: الأولى أن يذكر البخاري الحديث في كتاب الحج ويكرره مرةً ثانية في كتاب النكاح؛ لأن أولى ما يوضع فيه مثل هذا الحديث كتاب الحج، فإذا بحثنا في كتاب الحج وفي الفوات والإحصار ما وجدنا شيء، لكن لدقة الإمام -رحمه الله تعالى- في الاستنباط جعله في كتاب النكاح الذي يخفى استنباط هذا الحكم من هذا الحديث على كثيرٍ من المتعلمين بالنسبة لكتاب النكاح، لكن كتاب الحج الحديث مشهور ومستفيض يعرفه الخاص والعام قد لا تكون الحاجة إليه ماسة لإيراده في كتاب الحج مثل إيراده في كتاب النكاح من وجهة نظر الإمام البخاري.