لا شك أن كل مسؤول ومقتدى به عليه وزر من تبعه، إضافةً إلى وزره الأصلي، وكل مسؤول، كلٌ راعٍ وكل مسؤول عن رعيته، لا شك أن رب البيت راعٍ في بيته، وهو قدوة لأولاده، والمعلم قدوة أيضاً لطلابه وتلاميذه، والعالم قدوة للناس، وهكذا، فكل بحسب موقعه ومسؤوليته، لا شك أن الذي يجلب ما يصد الناس عن دين الله، لا شك أنه شريك له، بل يتحمل أوزار الناس كلهم؛ لأنه هو المتسبب، الرجل في بيته إذا أدخل في بيته ما يكون سبباً لصد أسرته وعائلته عن دين الله عليه الوزر، إذا اقتدى به من عوام الناس من الجيران وغيرهم أيضاً ناله من الإثم ما يناله؛ لأنه في موقع الاقتداء والائتساء، والله المستعان.
المقدم: قال: وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل أُسقُفاً على نصارى الشأم، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: وكان هرقل حزاءً ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم أن ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فيقتلون من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا الرجل فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت: مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت، فسجدوا له، ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.