"فقال له بعض بطارقته: " بفتح الموحدة جمع بِطريق أي قواده وخواص دولته وأهل الرأي والشورى منهم "قد استنكرنا هيأتك" أي سمتك وحالتك، لكونها مخالفة ً لسائر الأيام، "قال ابن الناطور" وفي رواية: الناظور، "وكان" عطف على مقدر تقديره قال ابن الناطور: كان هرقل عالماً، "حزاءً" فلما حذف المعطوف عليه أُظهر هرقل في المعطوف و (حزاء) منصوب؛ لأنه خبر كان، و (حزاء) بالمهملة وتشديد الزاي آخرها همزة منونة أي كاهناً "ينظر في النجوم" خبر ثاني لـ (كان) إن قلنا: أنه ينظر في الأمرين، يعني يكون حزاء، وينظر في النجوم، أو هو تفسير للحزاء؛ لأن الكهانة تؤخذ من ألفاظ الشياطين تارةً، وتارةً من أحكام النجوم، وكان هرقل علم ذلك بمقتضى حساب المنجمين، "فقال لهم" أي لبعض بطارقته حين سألوه "إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم أن ملك الختام" ملك بفتح الميم وكسر اللام، وفي رواية:(مُلك) بالضم ثم الإسكان "قد ظهر" أي غلب، وهو كما قال؛ لأنه في تلك الأيام كان ابتداء ظهوره -صلى الله عليه وسلم-، إذ صالح الكفار بالحديبية، وأنزل الله تعالى سورة الفتح، ومقدمة الظهور ظهور، "فمن يختتن من هذه الأمة؟ " أي من أهل هذا العصر، وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم تجوز، وفي رواية:(من يختتن من هذه الأمم؟ )"قالوا -مجيبين لاستفهامه إياهم- ليس يختتن إلا اليهود" أجابوا بمقتضى علمهم؛ لأن اليهود كانوا بإيلياء تحت الذلة، مع النصارى بخلاف العرب، يعني ما في خلطة بين النصارى والعرب بخلاف الخلطة الحاصلة بين اليهود والنصارى، "فلا يهمنك -أي لا يقلقك شأنهم- واكتب إلى مدائن ملكك" جميع مدينة بالهمز، وقد يترك فيقال: مداين "فيقتلون من فيهم من اليهود" وفي رواية: (فليقتلوا) باللام، "فبينما هم" الآن هرقل وأعوانه ما رفعوا شأناً باليهود ولا اهتموا لهم، فلذلك قالوا:"فلا يهمنك شأنهم" لأنهم قد ضرب عليهم الذلة والصغار، فلا شك أن شأنهم أضعف من أن يلقى لهم أي بال، وأن يحسب لهم أي حساب، وكونهم يتسلطون في مثل هذه الأيام، وفي مثل هذه العصور على المسلمين هذا من باب العقوبة للمسلمين لإعراضهم عن دين الله، وكون الإنسان يعاقب بأضعف الأشياء زيادة في النكاية، وتشديد في