"فلما رأى هرقل نفرتهم وآيس" وفي رواية: (يئس) أي قنط "من الإيمان" أي من إيمانهم لما أظهروه، ومن إيمانه لكونه شحّ بملكه، وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه، ويسلم ويسلمون، هو يحب هذا، ليجمع بين خيري الدنيا والآخرة، لكن الآن الامتحان في المفاضلة، حصلت المفاضلة بين الدنيا والآخرة فآثر الدنيا، والله المستعان.
"قال: ردوهم عليّ، وقال: إني قلت مقالتي آنفاً -بالمد أي هذه الساعة- أختبر -أي أمتحن- بها شدتكم -أي رسوخكم- على دينكم، فقد رأيت شدتكم" فحذف المفعول للعلم به مما سبق، وفي رواية:"فقد رأيت منكم الذي أحببت"، "فسجدوا له" حقيقةً، على عادتهم لملوكهم، أو قبلوا الأرض بين يديه؛ لأن ذلك ربما كان كهيئة السجود، "ورضوا عنه، فكان ذلك آخر -بالنصب خبر كان- شأن هرقل" أي فيما يتعلق بهذه القصة خاصةً، هذا لا يعني أن هذا آخر حياة هرقل، إنما هذا آخر شأنه فيما يتعلق بهذه القصة، أو فيما يتعلق بالإيمان، فإنه بعد ذلك وقعت له أمور من تجهيز الجيش إلى مؤتة وتبوك ومحاربته للمسلمين، وهذا يدل على استمراره على الكفر، نسأل الله العافية، لكن قال بعض الشراح: مع ذلك يحتمل أنه يكون يضمر الإيمان، ويفعل هذه المعاصي مراعاةً لمملكته، وخوفاً من أن يقتله قومه.
وعلى كل حال مثل هذا الإيمان ولو أضمره، ولو وقر الإيمان في القلب لكن لم ينطق به الشخص، فإنه لا يحكم بإيمانه، وإنما حكمه في الدنيا الكفر، إلا أن في مسند الإمام أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أني مسلم، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: بل هو على نصرانيته.