للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا عرفنا هذا وأن أهل السنة والجماعة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق وسائر أهل الحديث يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، وأنه يزيد بزيادة الأعمال الصالحة، وينقص كما قرره الأئمة، وتقدم ذكر الأدلة على زيادته، وما قبل الزيادة فإنه يقبل النقص، وأن المرجئة لا سيما مرجئة الفقهاء لا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان، وأن الإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، كما قرره الطحاوي في عقيدته الشهيرة، وهم مع ذلك -يعني: المرجئة- لا يتساهلون في الأعمال، ولا في جزائها، ولذا قرر ابن أبي العز في شرح الطحاوية أن الخلاف بين أبي حنفية والأئمة الباقين من أهل السنة اختلاف صوري، ولبيان حقيقة الأمر لا بد من التفصيل، فمن جهة الاهتمام بالأعمال وتأثيم المخالف فيها لا يظهر بينهم في الحقيقة فرق، وحينئذٍ يكون الخلاف صورياً، ومن جهة كونه مرتكب الكبيرة لا يخرج عن مسمى الإيمان، وإن كانت كفراً عملياً كما يقرره المرجئة، وإنما يخرج عن مسمى الإيمان بالكفر الاعتقادي فقط، بينما أهل السنة يفصلون في هذا، فإن كانت الكبيرة مكفرة أو شركاً فهي مخرجة عن الإيمان، وإن كانت عملية فعلى هذا يكون الخلاف حقيقياً لما ورد من النصوص الدالة على زيادة الإيمان، وما ورد من نفي الإيمان عن بعض مرتكبي الكبائر كالزاني والسارق.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين؛ ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحد من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد، فإن كثيراً من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، وإلى ظهور الفسق فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سبباً لخطأ عظيم في العقائد والأعمال، الأئمة كأبي حنيفة يعظمون الأمر والنهي مع قولهم: بأن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان، ويعظمون الأمر والنهي، لكن الذي يسمع كلامهم، وأن المسلم يكون كامل الإيمان لأن الإيمان في أصله واحد ...

المقدم: مجرد التصديق.

<<  <  ج: ص:  >  >>