جبلة في الشخص، يقول: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأنه يكون تخلقاً واكتساباً كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة، لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم، فهو من الإيمان لهذا؛ ولكونه باعثاً على أفعال الخير، ومانعاً من المعاصي، نعم الغرائز موجودة في الإنسان، لكن تكييف هذه الغرائز وتسيرها على مراد الله -سبحانه وتعالى- اكتساب، فهو يثاب على هذا المكتسب، وعلى تطويعه النفس على مراد الله -سبحانه وتعالى-، وأما كونه خيراً كله ولا يأتي إلا بخير فقد يُستشكل من حيث أن صاحب الحياء قد يستحيي أن يواجه بالحق رجلاً يجله فيترك أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال بالحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة هذا مشاهد، إذا رأى الإنسان من يجله حينئذٍ يستحيي من أن ينكر عليه ما يرتكبه من منكر، أو ما يفرط به من واجب، وهذا موجود بين المسلمين، ويزداد سوء حقيقة إذا وجد مِن مَن ينتسب إلى العلم، والجواب كما في شرح النووي عن هذا الإشكال أن هذا المانع المذكور ليس بحياء حقيقة، يعني: ليس بحياء شرعي، وإن سماه الناس حياء عرفاً، ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز ومهانة وضعف، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازاً لمشابهته الحياء الحقيقي، وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع عن التقصير في حق ذي الحق.
قال ابن حجر: فإن قيل: لم أفرده بالذكر؟ نعود إلى المسألة السابقة، وهي أن الإنسان قد يستحيي ممن يجله فلا ينكر عليه، وهذه لا شك أنها مع الأسف الشديد في هذه الأزمان وهذه العصور موجودة عند كثير من المسلمين، ولا شك أن عدم القيام بما يجب على الإنسان لا سيما ممن ينتسب إلى العلم من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولرسوله، ولأئمة والمسلمين وعامتهم، لا شك أن هذا ضعف، هنا يقول ابن حجر: فإن قيل: لم أفرده، يعني: الحياء بالذكر؟ أجيب: بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، والله الموفق.