قوله:((المهاجر)) المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من اثنين، لكنه هنا للواحد كالمسافر فهو بمعنى الهاجر، ويحتمل أن يكون على بابه؛ لأن من لازم كونه هاجراً وطنه مثلاً أنه مهجور من وطنه، قال ابن حجر: وهذه الهجرة ضربان: ظاهرة وباطنة، فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان ((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان؛ لأن ما تدعو إليه النفس الأمارة والشيطان مما نهى الله عنه، وعلى هذا يستحق الوصف بالمهاجر الكامل من ترك ما تدعو إليه نفسه الأمارة بالسوء والشيطان أيضاً، المهاجرة الظاهرة ترك البلد، ترك العشيرة، وتتمثل بالفرار بالدين من الفتن، وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه، قد يقول مثلاً من المهاجرين وإن لم يقولوا ذلك، لكن هذا مجرد يعني توجيه للحديث؛ لئلا يقول أحد من المهاجرين: أنا هاجرت، ولئلا يقولها أيضاً من يهاجر بعدهم من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، أنا هاجرت من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ويكفيني هذه الغربة، نقول: لا، هذه الغربة لا تكفي، بل لا بد أن تهجر ما تدعوك إليه نفسك الأمارة بالسوء ((المهاجر من هاجر ما نهى الله عنه)).
يحتمل أن يكون ذلك قبل انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييباً لقلوب من لم يدرك ذلك، نعم كثير من الناس ولد في بلاد الإسلام، ولا يحتاج إلى هجرة وانتقال من هذا البلد إلى غيره، قد يقول: فاتني خير عظيم في فوات الهجرة، نقول: بقي هجرة ((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) وهذا فيه تطييب لقلب مثل هؤلاء.