أما بعد: فاعلم أن كتاب الجامع الصحيح للإمام الكبير الأوحد مقدم أصحاب الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري -رحمه الله- من أعظم الكتب المصنفة في الإسلام، وأكثرها فوائد، إلا أن الأحاديث المتكررة فيه متفرقة في الأبواب، وإذا أراد الإنسان أن ينظر الحديث في أي باب لا يكاد يهتدي إليه إلا بعد جهل وطول فتشٍ، ومقصود البخاري -رحمه الله- بذلك كثرة طرق الحديث وشهرته، ومقصودنا هنا أخذ أصل الحديث لكونه قد عُلم أن جميع ما فيه صحيح.
قال الإمام النووي في مقدمة كتابه شرح مسلم: "وأما البخاري فإنه يذكر الوجوه المختلفة في أبوابٍ متفرقة متباعدة، وكثيرٌ منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إليه الفهم أنه أولى به، فيصعب على الطالب جمعُ طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره من طرق الحديث، قال: وقد رأيتُ جماعة من الحفاظ المتأخرين غلطوا في مثل هذا فنفوا رواية البخارية أحاديث هي موجودةٌ في صحيحه في غير مظانها السابقة إلى الفهم، انتهى ما ذكره النووي -رحمه الله-، فلما كان كذلك أحببت أن أجرد أحاديثه من غير تكرار، وجعلتها محذوفة الأسانيد ليقرب انتوال الحديث من غير تعب، وإذا أتى الحديث المتكرر أثبته في أول مرة، وإن كان في الموضع الثاني زيادةٌ فيها فائدة ذكرتها وإلا فلا، وقد يأتي حديثٌ مختصرٌ ويأتي بعدُ في رواية أخرى أبسط وفيه زيادة على الأول فأكتب الثاني وأترك الأول لزيادة الفائدة، ولا أذكر من الأحاديث إلا ما كان مسنداً متصلاً، وأما ما كان مقطوعاً أو معلقاً فلا أتعرض له، وكذلك ما كان من أخبار الصحابة فمن بعدهم مما ليس له تعلقٌ بالحديث، ولا فيه ذكرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا أذكره كحكاية مشي أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- إلى سقيفة بني ساعدة، وما كان فيه من المقاولة بينهم، وكقصة مقتل عمر -رضي الله عنه-، ووصيته لولده في أن يستأذن لعائشة في أن يدفن مع صاحبيه، وكلامه في أمر الشورى، وبيعة عثمان -رضي الله عنه-، ووصية الزبير لولده في قضاء دينه، وما أشبه ذلك.