ويؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، وليست بحاجة إلى ثم قبلها، بحيث يقال: ثم أما بعد، كما يجري على ألسنة كثيرٍ من المنتسبين إلى طلب العلم في العصور المتأخرة، الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- (أما بعد) نعم إن احتيج إليها بعد ذلك للانتقال من أسلوب ثاني إلى ثالث يعطف على الأولى فيقال: ثم أما بعد، أما في الموضع الأول فلا حاجة إلى العطف، النصوص كلها ليس فيها ثمَّ، نعم أشار محقق تفسير الطبري أن في بعض نسخ التفسير "ثم أما بعد" لكن المعروف من أسلوبه -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام، ومن جاء بعدهم كلهم جروا على هذه الصيغة (أما بعد) وجوابها ما دخلت عليه، "فاعلم أن كتاب جامع الصحيح للإمام الكبير الأوحد مقدم أصحاب الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري" تقدمت ترجمته في حلقةٍ سابقة، "من أعظم الكتب المصنفة في الإسلام، وأكثرها فوائد" لا شك أن من أدام النظر في هذا الكتاب رأى العجب العجاب من الفوائد المتنية والإسنادية الحديثية والفقهية وغيرها من الفوائد، "إلا أن الأحاديث المتكررة" هذا يذكر المبرر للاختصار، المبرر لاختصاره الكتاب وجود التكرار، ووجود الأسانيد مع أن الكتاب صحيح، فيرى أن المتأخرين ليسوا بحاجة إلى تكرار، وليسوا بحاجة إلى سماع الأسانيد مع ثبوت المتون، نظراً لضعف الهمم، وكثرة من يمل من سماع الأسانيد، "إلا أن الأحاديث المتكررة فيه متفرقة في الأبواب، وإذا أراد الإنسان أن ينظر الحديث في أي باب لا يكاد يهتدي إليه إلا بعد جهدٍ وطول فتش، ومقصود البخاري -رحمه الله تعالى- في ذلك كثرة طرق الحديث وشهرته، ومقصوده هنا أخذ أصل الحديث لكونه قد علم أن جميع ما فيه صحيح"، يعني فلا داعي لذكر هذا التكرار الذي يستفاد منه تقوية الحديث بكثرة الطرق، وبلوغه إلى حد الشهرة وما أشبه ذلك، مع أنهم لا حاجة بهم إلى ذلك الإسناد ما دامت المتون ثابتة، لكن الكتاب الأصلي لا يستغني عنه طالب علم، وكون بعض المثقفين ممن لا علاقة له بالعلم الشرعي يحتاج إلى من يختصر له، ويقتصر على المتون دون الأسانيد هذه وجهة نظر صحيحة لا بأس بها، لكن المتخصص في العلوم الشرعية لا بد له من معرفة الأسانيد، ولا بد له من إدامة