يقول بعد ذلك المختصِر:"فلما كان كذلك أحببت أن أجرد أحاديثه من غير تكرار، وجعلتها محذوفة الأسانيد ليقرب انتوال الحديث من غير تعب"، ليقرب حصول الحديث والوصول إليه من غير تعب من قبل الطالب "وإذا أتى الحديث المتكرر أثبته في أول مرة، وإن كان في الموضع الثاني زيادة فيها فائدة ذكرتها"، يعني يقتصر على هذه الزيادة التي فيها فائدة، "وإلا فلا، وقد يأتي حديثٌ مختصر، ويأتي بعد في رواية أخرى أبسط وفيه زيادة على الأول فأكتب الثاني وأترك الأول لزيادة الفائدة"، لكن يأتينا أنه في حديث (الأعمال بالنيات) ذكره في الموضع الأول مع أنه مختصر، وفي المواضع الأخرى فيه زيادة ولم يذكرها.
يقول:"ولا أذكر من الأحاديث إلا ما كان مسنداً متصلاً"، مسنداً يعني مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، متصلاً يعني متصل الإسناد خالٍ عن الانقطاع، "وأما ما كان مقطوعاً -ومراده بذلك المنقطع وليس مراده المقطوع المصطلح عليه مما هو منسوب إلى من دون الصحابة من التابعين فمن دونهم- أو معلقاً فلا أتعرض له -فحذف المعلقات والمعلقات في صحيح البخاري تزيد على (١٣٤٠) حديث معلق، حذفها كلها- واقتصر على الأحاديث المسندة المتصلة التي هي المقصود من الصحيح، وكذلك ما كان من أخبار الصحابة -يعني الموقوفات حذفها أيضاً- فمن بعدهم -يعني مما أضيف إلى التابعين فمن دونهم- مما ليس له تعلق بالحديث -يعني ما كان له تعلق بالحديث مما يفسر معنىً غامض فإنه قد يذكره، هذا مفهوم- كلامه.
"ولا فيه ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا أذكره، كحكاية مشي أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما - أمثلة لما ذكره- إلى سقيفة بني سعد، وما كان فيه من المقاولة بينهم"، والمقاولة مفاعلة، من قال، يعني قال بعضهم ورد عليه آخر بقول وما أشبه ذلك، "وكقصة مقتل عمر -رضي الله عنه- ووصيته لولده"، هذه كلها من الموقوفات؛ لأنها حصلت بعد عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، "في أن يستأذن عائشة ليدفن مع صاحبيه، وكلامه في أمر الشورى، وبيعة عثمان -رضي الله عنه-، ووصية الزبير لولده في قضاء دينه، وما أشبه ذلك"، كل ذلك لأنها من الأخبار الموقوفة، ولا ذكر للنبي -عليه الصلاة والسلام- فيها.