وهذه مسألة يعني عبودية ناقصة فكيف بالعبودية لله -جل وعلا-، الذي لا يسأل عما يفعل.
"وجهلوا أنه ليس من شرط المولى مع العبد أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به، ولا أن يطلع على فائدة تكليفه، وإنما يتعين عليه الامتثال، ويلزمه الانقياد من غير طلب فائدة ولا سؤال عن مقصود، ولهذا المعنى كان -عليه الصلاة والسلام- يقول في تلبيته:((لبيك حقاً حقاً، تعبداً ورقاً)) امتثال عبودية تامة ((لبيك إله الحق)).
في تفسير الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- المسمى:(أضواء البيان) في قوله -جل وعلا-: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [(٢٧) سورة الحج] اللام هي لام التعليل، وهي متعلقة بقوله تعالى:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(٢٧) سورة الحج] الآية، أي: إن تؤذن فيهم يأتوك رجالاً وركباناً؛ لأجل أن يشهدوا.
المقدم: منافع.
أي: يحضروا منافع لهم، والمراد بحضورهم المنافع يعني مجرد مشاهدة المنافع، أو حصول هذه المنافع لهم؟
المقدم: حصولها.
والمراد بحضورهم المنافع حصولها لهم.
وقوله:{مَنَافِعَ} [(٢٧) سورة الحج] جمع منفعة، ولم يبين هنا هذه المنافع ما هي؟ وقد جاء بيان بعضها في بعض الآيات القرآنية، وأن منها ما هو دنيوي، ومنها ما هو أخروي، أما الدنيوي فكأرباح التجارة؛ لأن الله أباح لهم أن يبتغوا فضلاً من ربهم، فكأرباح التجارة، إذا خرج الحاج بمال تجارة معه، فإنه يحصل له الربح غالباً، وذلك نفع دنيوي.
يعني إذا كسدت البضاعة في بلده، واصطحبها معه إلى الحج لا بد أن يجد زبون، وذلك نفع دنيوي ... إلى آخر ما قال -رحمه الله تعالى-.
قلت: أما المنافع الأخروية فلو لم يكن منها إلا ما صح به الخبر من أن ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) يعني هذه يقابلها شيء؟ ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
في التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور هذا تفسير من المعاصرين، تفسير جيد، فيه فوائد ونفائس، وفيه أيضاً إطلاع للقارئ على أسرار التعبير القرآني، وإعجازه وبيانه.