أقول: من أداه اجتهاده إلى أحد القولين، والمسألة مسألة اجتهاد ليست مسألة تطاول على النصوص؛ لأنه فرق بين من يبحث عن المسألة من خلال أدلتها ليريد أن يتوصل إلى الحق، وينصر ما يراه الحق، وبين من يبحث في النصوص ليجد فيها ما يؤيد هواه، فأقول: إذا علم هذا فليحذر أولئك الذين يطالبون بنزع الحجاب لهوى في أنفسهم، وليسوا أهلاً للنظر والاجتهاد، فهؤلاء ممن يتتبع خطوات الشيطان الذي كان من وظائفه الأولى من وظائف الشيطان الأولى كما قال الله -جل وعلا- عنه:{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} [(٢٧) سورة الأعراف] هذه من وظائف الشيطان الأولى؛ لأنه تعهد أن يغوي الناس أجمعين.
وهي أيضاً من وظائف أتباعه من المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، كما قال -جل وعلا- بعد ذكر آية الحجاب مباشرة:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(٥٩) سورة الأحزاب] قال بعد ذلك مباشرة: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [(٦٠ - ٦١) سورة الأحزاب] فالارتباط وثيق بين الآيتين.
يقول البرهان البقاعي في تفسيره المبني على التناسب (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) البرهان للبقاعي، يقول: "ولما كان المؤذون بما مضى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ} [(٥٨) سورة الأحزاب] ولما كان المؤذون بما مضى وغيره أهل النفاق ومن داناهم {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [(٥٩) سورة الأحزاب] من الذي يؤذيهن؟ أهل النفاق، ومن أذاهم لهن مطالبتهن بنزع الحجاب.