المقدم: ثم قال بعد ذلك: كتاب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم ساق الحديث.
هذا العنوان (كتاب بدء الوحي) ليس من وضع الإمام -رحمه الله-، ولذا قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "لم يستفتح المصنف بدء الوحي بكتاب؛ لأن المقدمة لا تستفتح بما يستفتح به غيرها؛ لأنها تنطوي على ما يتعلق بما بعدها، ولفظ باب أيضاً بعد ذلك لا يوجد عند أبي ذر والأصيلي وثبت في رواية غيرهما، وبالمناسبة أبو ذر والأصيلي من رواة الصحيح، ذكرنا سابقاً أن الصحيح رواه عن مؤلفه أو تلقاه عن مؤلف أكثر من تسعين ألفاً، واشتهر، واستفاض في البلدان والأقطار، وحمله الخالفون عن السالفين برواياتٍ متعددة، وهذه الروايات يوجد في بعضها ما لا يوجد في بعض.
ولذا يستشكل كثيرٌ من طلبة العلم الإكثار من ذكر أبي ذر في الشروح، ويذهب وهَلَه إلى أنه الصحابي الجليل، حتى استشكل بعضهم أن ذكر أبي ذر في صحيح البخاري أكثر من ذكر أبي هريرة، وقد سئلت مراراً عن هذا السؤال، ذكر أبي ذر في صحيح البخاري ويقصد بذلك الشروح عند الشراح أكثر من ذكر أبي هريرة، والمجمع عليه أن أبا هريرة هو أكثر الصحابة على الإطلاق رواية للحديث.
فنقول: أبو ذر هذا عبد بن أحمد الهروي راوي الصحيح، وروايته هي أتقن الروايات وأضبطها، ولذا اعتمد عليها الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-، والذين أدخلوا المتن مع الشرح أدخلوا متناً لا يناسب الشرح، ولذا يوجد في كثيرٍ من المواضع قوله ولا يوجد في المتن، ويوجد في المتن ألفاظ تحتاج إلى شرح هي من روايات أخرى غير روايات أبي ذر ولا يوجد لها شرح في فتح الباري وأمثاله ممن اعتمد على رواية أبي ذر.