على كل حال السنة بالنسبة للاحتجاج مثل القرآن سواءً بسواء، لا تختلف عنه، فما ثبت بالسنة يجب العمل به سواء قلنا: أنه مثل القرآن في القطعية في الثبوت أو دونه.
المقدم: اخترتم كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، ما المراد بالجامع الصحيح هنا؟
الجامع الصحيح المراد به ما اشتهر عند الناس واستفاض لديهم من صحيح البخاري الذي سماه مؤلفه (الجامع الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه).
المقدم: لعلكم تتحدثون إذاً عن البخاري وعن صحيحه ما دام هذا الكتاب باختصار.
البخاري -رحمه الله تعالى- هو أمير المؤمنين في الحديث: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري، ولد -رحمه الله تعالى- سنة (١٩٤هـ) ببخارى، ومات أبوه وهو صغير، فكفلته أمه وأحسنت تربيته، وقد ظهر نبوغه من صغره وهو في الكتاب، فرزقه الله -سبحانه وتعالى- قلباً واعياً وحافظة قوية، وذهناً حاداً، ووفق لحفظ الحديث فأخذ منه بحظٍ كبير، ولما يبلغ العاشرة من عمره، ثم صار يختلف إلى علماء عصره وأئمة بلده فأخذ الحديث والعلم عنهم، وصار يراجعهم في بعض ما سمع منهم، وقد بلغ عدد شيوخه فيما روي عنه ثمانين وألف نفس (١٠٨٠) ليس فيهم إلا صاحب حديث، وقد بلغت محفوظاته -رحمه الله- أنه يحفظ من الحديث الصحيح مائة ألف، ويحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، يحدث هذا الكم الهائل من السنة، فرحمه الله تعالى رحمةً واسعة.
وقد أثنى عليه جمعٌ من الحفاظ من أقرانه، فقد قال أبو حاتم الرازي:"لم تخرج خرسان قط أحفظ منه، ولا قدم إلى العراق أعلم منه"، وكذلك أثنى عليه الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن فقال:"رأيتُ علماء الحرمين والحجاز والشام والعراق، فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل" وروى الحاكم بسنده أن مسلماً الإمام صاحب الصحيح جاء إلى البخاري فقبله بين عينيه، وقال:"دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله".