من مصائب بعض الموسوسين أن شخصاً بعد طلوع الشمس وانتشارها في أيام الشتاء طرق علي الباب، يعني بعد صلاة الفجر بحوالي ساعتين، طرق علي الباب فقال: أنا لم أستطع أن أصلِّ العشاء، كم لصلاة العشاء الآن؟ أكثر من اثنا عشر ساعة، لم يستطع أن يصلي العشاء، وهو من ذلك الوقت يكبر ثم يقطع الصلاة، يكبر ثم يقطعها، هذه بلوى، وأشبه ما تكون بالجنون، ولذا يقول الشيخ -رحمه الله تعالى- ينقل عن بعض العلماء أن الوسوسة إنما تحصل للعبد من جهلٍ بالشرع أو خبلٍ في العقل.
يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: "وقد تنازع الناس هل يستحب التلفظ بالنية؟ فقال طائفة من أصحاب أبي الحنيفة والشافعي وأحمد: مستحب ليكون أبلغ، قاله بعض المتأخرين من أتباع المذاهب، وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد: لا يستحب ذلك، بل التلفظ بها بدعة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والتابعين لهم بإحسان لم ينقل عن واحدٍ منهم أنه تكلم بلفظِ النية لا في صلاة ولا في طهارة ولا صيام، يعني ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا نقل عنه ولا عن صحابته الكرام لا بسندٍ صحيح ولا ضعيف أيضاً، قالوا: لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة، فالتكلم بها نوع هوس، وعبثٌ وهذيان {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [(١٦) سورة الحجرات] إذا أراد الشخص أن يصلي وقصد الصلاة عالماً بها غير ناسٍ لها، ويقول: نويت أن أصلي الظهر، نويت أن أصلي كذا، تعلم الله بدينك؟! يقول الشيخ -رحمه الله تعالى-: "قالوا: لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة، فالتكلم بها نوع هوس وعبث وهذيان، والنية تكون في قلب الإنسان، ويعتقد أنها ليست في قلبه فيريد تحصيلها بلسانه وتحصيل الحاصل محال".
ولذا مما يشترط للعمل المكلف به أن يكون معدوماً، من شروط العمل المعدود به أن يكون معدوماً؛ لأن تحصيل الحاصل وإيجاد الموجود محال، يقول: "فلذلك يقع كثيرٌ من الناس في أنواع من الوسواس، واتفق العلماء على أنه لا يسوغ الجهر بالنية لا لإمام ولا لمأموم ولا لمنفرد، ولا يستحب تكريرها، وإنما النزاع بينهم في التكلم بها سراً هل يكره أو يستحب".