صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري أول كتاب صنف في الصحيح المجرد من غيره، فقد كان الأئمة قبل الإمام البخاري لا يقصرون كتبهم على الأحاديث الصحيحة، بل كانوا يجمعون بين الصحيح والحسن الضعيف، تاركين التمييز بينها إلى معرفة القارئين والطالبين إلى معرفة هؤلاء بالرجال، ومقدرتهم على التمييز بين المقبول والمردود، وقد كانوا لا يهتمون بالتمييز فيما تقدم من الأزمان؛ لأنهم عندهم أن من ذكر الإسناد فقد برئ من العهدة، والمطلع على هذه الأسانيد يستطيع أن يميز، لكن لما دخلت العلوم، وكثر الداخلون في الإسلام، وقلت العناية بعلوم الشرع، احتاج الناس إلى من يميز لهم الصحيح من غيره، فجاء الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري فصنف كتابه الصحيح، فرأى أن يخص الصحيح بجمع فألف كتابه المذكور، وفي هذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
أول من صنف بالصحيحِِ ... محمدٌ وخص بالترجيحِ
ومسلمٌ بعد وبعض الغرب معْ ... أبي عليٍ فضلوا ذا لو نفعْ
الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- روي عنه أنه قال:"ما على ظهر الأرض كتابٌ بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك" وهذا كان قبل وجود الصحيحين، وإلا لو رأى الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- هذين الكتابين أعني صحيح البخاري وصحيح مسلم لما قال هذه المقالة، وشواهد الأحوال وواقع هذه الكتب يشهد بما ذكرنا ولذا فإن صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله -سبحانه وتعالى- عند جماهير العلماء، وذهب بعض المغاربة إلى تفضيل صحيح مسلم، كما أشار الحافظ العراقي -رحمه الله-:
ومسلمٌ بعد وبعض الغرب معْ ... أبي عليٍ فضلوا ذا لو نفعْ