ونكتة الاقتطاع هنا اختلاف التحمل، قد يقول قائل: لماذا أفرد قول عائشة هنا؟ والحديث كله مروي عن عائشة؟ ما ألحق بهذه الجملة ألحق بالحديث كله؟ لما قال:((فأعي ما يقول)) لماذا ما قال مباشرة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد إلى آخره؟ إنما قال: قالت عائشة لماذا؟ نكتة الاقتطاع هنا -يعني فصل الخبر الثاني عن الأول- اختلاف التحمل؛ لأنها في الأول أخبرت عن مسألة الحارث، وفي الثاني أخبرت عما شاهدت تأييداً للخبر الأول.
تقول -رضي الله عنها-: "ولقد رأيته" تعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مقول عائشة، والواو للقسم واللام للتأكيد أي: والله لقد أبصرته "يَنزل" بفتح أوله وكسر ثالثه من الثلاثي، وفي رواية أبي ذر والأصيلي:"يُنزلُ" بالضم والفتح، " عليه -صلى الله عليه وسلم- الوحي في اليوم الشديد البرد" الشديد صفة جرت على غير ما هي له، الأصل أن الصفة تتبع الموصوف، هنا صفة الشديد صفة لليوم في الإعراب، هي تابعةً له في الإعراب، في اليوم الشديد، لكنها من حيث المعنى هي صفةٌ للبرد لا لليوم، فهي من حيث الإعراب وصف لليوم، ومن حيث المعنى وصف للبرد، هل اليوم هو الشديد أو البرد هو الشديد؟
المقدم: البرد هو الشديد.
البرد هو الشديد، فهي من حيث الإعراب تابعة لليوم ومن حيث المعنى تابعة للبرد، وفيه دلالة على كثرة معاناته -صلى الله عليه وسلم- بالتعب والكرب عند نزول الوحي لما فيه من مخالفة العادة، وهو كثرة العرق في شدة البرد.
((فيَفصمُ عنه)) أي يقلع، أو ((فيُفصمُ عنه)) في بعض الروايات أي يقلع، ((وإن جبينه يتفصد)) الجبين فوق الصفد، والصفد ما بين العين والأذن، وللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة، والمراد جبيناه معاً، والإفراد يجوز أن يعاقب التثنية، يعني يأتي الإفراد ويراد به التثنية، والإفراد يجوز أن يعاقب التثنية في كل اثنين يغني أحدهما عن الآخر كالعينين والأذنين، يعني إذا قلت: فلان واسع العين، تريد واحدة وإلا الثنتين؟