للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نعم، كبير الأذن، تريد الواحدة ولا اثنتين؟ لا، تريد اثنتين، ومن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) وفي الرواية الأخرى: ((عاتقيه)) يفسر المراد، ((ليتفصد)) بالصاد المهملة المشددة أي يسيل، مأخوذٌ من الفصد، وهو قطع العرق بإسالة الدم، شبه جبينه المبارك -عليه الصلاة والسلام- بالعرق المفصود مبالغة في كثرة العرق، ((عرَقاً)) بفتح الراء رشح الجلد، وإنما كان ذلك ليبلى صبره -عليه الصلاة والسلام- فيرتاض لاحتمال ما كلف من أعباء النبوة، وهو منصوبٌ على التمييز.

الحديث مشتمل على فوائد كثيرة جداً، لكن منها أن السؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لا يقدح في اليقين، الحارث ابن هشام سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف يأتيه الوحي؟ هل نقول: لأن الحارث شك؟ لا، طلباً للطمأنينة كما سأل إبراهيم -عليه السلام- ربه -عز وجل-: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى} [(٢٦٠) سورة البقرة] فلا يقدح في يقين إبراهيم، ولذا جاء في الحديث الصحيح من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((نحن أحق بالشك من إبراهيم)) ما شك إبراهيم -عليه السلام-.

فالسؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لا يقدح في اليقين، ولذلك جواز السؤال عن أحوال الأنبياء من الوحي وغيره، وأن المسؤول عنه إذا كان ذا أقسام يذكر المجيب في أول جوابه ما يقتضي التفصيل، ينتبه لبقية الأقسام.

وفيه إثبات الملائكة خلافاً لمن أنكرهم من الملاحدة والفلاسفة، وأن لهم قدرةً على التشكل، ولا شك أن الإيمان بالملائكة ركنٌ من أركان الإيمان كما هو معروف، والحديث مخرج في الصحيح في البخاري في موضعين: الأول: في بدء الوحي والمناسبة ظاهرة كما تقدم، والثاني: في بدء الخلق في باب ذكر الملائكة، قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا فروة قال: حدثنا عليٌ بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن الحارث بن هشام سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره، لكن بدون قول عائشة: ولقد رأيته إلى آخره.

<<  <  ج: ص:  >  >>