بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَيُعَلِّمُهُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُخْبِرُ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ، ثُمَّ رَفَعَ صَوْتُهُ بِحَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ بِاتِّبَاعِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَتَصْدِيقِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَخَتَمَ التَّأْذِينَ بِأَنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ سَيُؤْخَذُ مِمَّنْ كَذَّبَهُ، وَيُدْفَعُ إِلَى أَتْبَاعِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَعَاشَ مَنْ عَاشَ عَنْ بَيِّنَةٍ، فَاسْتَجَابَ أَتْبَاعُ الْمَسِيحِ حَقًّا لِهَذَا التَّأْذِينِ، وَأَبَاهُ الْكَافِرُونَ وَالْجَاحِدُونَ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.
وَهَذِهِ بِشَارَةٌ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَزَالُونَ فَوْقَ النَّصَارَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَتْبَاعُ الْمُرْسَلِينَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَتْبَاعُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، لَا أَعْدَاؤُهُ، وَأَعْدَاؤُهُ عُبَّادُ الصَّلِيبِ، الَّذِينَ رَضُوا أَنْ يَكُونَ إِلَهًا مَصْفُوعًا مَصْلُوبًا مَقْتُولًا، وَلَمْ يَرْضَوْا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا لِلَّهِ وَجِيهًا عِنْدَهُ مُقَرَّبًا لَدَيْهِ، فَهَؤُلَاءِ أَعْدَاؤُهُ حَقًّا وَالْمُسْلِمُونَ أَتْبَاعُهُ حَقًّا. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ بِشَارَةِ الْمَسِيحِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ كُلِّ بِشَارَةٍ، لَمَّا كَانَ أَقْرَبَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَيْهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ صَاحِبُ شَرِيعَةٍ وَكِتَابٍ.
(فَصْلٌ) : وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمَسِيحِ: أَنَّ أَرَكُونَ الْعَالَمِ سَيَأْتِي، وَأَرَكُونُ الْعَالَمِ هُوَ سَيِّدُ الْعَالَمِ وَعَظِيمُهُ، وَمَنِ الَّذِي سَادَ الْعَالَمَ، وَأَطَاعَهُ الْعَالَمُ بَعْدَ الْمَسِيحِ غَيْرُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟! وَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ مَا أَوَّلُ أَمْرِكَ قَالَ: أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبَشَّرَ بِي عِيسَى.
وَطَابِقْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْبِشَارَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمَسِيحُ، فَمَنِ الَّذِي سَادَ الْعَالِمَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَانْقَادَتْ لَهُ الْقُلُوبُ وَالْأَجْسَادُ، وَأُطِيعُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، فِي مَحْيَاهُ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute