جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، وَأَفْضَلِ الْأَقَالِيمِ وَالْأَمْصَارِ، وَسَارَتْ دَعْوَتُهُ مَسِيرَ الشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ، وَبَلَغَ دِينُهُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَخَرَّتْ لِمَجِيئِهِ الْأُمَمُ عَلَى الْأَذْقَانِ، وَبَطَلَتْ بِهِ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، وَقَامَتْ بِهِ دَعْوَةُ الرَّحْمَنِ، وَاضْمَحَلَّتْ بِهِ دَعْوَةُ الشَّيْطَانِ، وَأَذَلَّ الْكَافِرِينَ وَالْجَاحِدِينَ، وَأَعَزَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ، حَتَّى أَعْلَنَ بِالتَّوْحِيدِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، وَعَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي كُلِّ حَاضِرٍ وَبَادٍ، وَامْتَلَأَتْ بِهِ الْأَرْضُ تَحْمِيدًا لِلَّهِ وَتَسْبِيحًا وَتَكْبِيرًا، وَاكْتَسَتْ بِهِ بَعْدَ الظُّلْمِ وَالظَّلَامِ عَدْلًا وَنُورًا؟
(فَصْلٌ) : وَطَابِقْ بَيْنَ قَوْلِ الْمَسِيحِ: أَنَّ أَرَكُونَ الْعَالَمِ سَيَأْتِيكُمْ، وَقَوْلَ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءِ إِذَا وَفَدُوا، وَإِمَامُهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا، وَمُبَشِّرُهُمْ إِذَا يَئِسُوا، لِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي.
(فَصْلٌ) : وَفِي قَوْلِ الْمَسِيحِ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ: وَلَيْسَ لِي مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْبِشَارَةُ أَصْلَيِ الدِّينِ: إِثْبَاتَ التَّوْحِيدِ، وَإِثْبَاتَ النُّبُوَّةِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمَسِيحُ مُطَابِقٌ لِمَا جَاءَ بِهِ أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَبِّهِ مِنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
فَمَنْ تَأَمَّلَ حَالَ الرَّسُولَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ وَدَعْوَتِهِمَا وَجَدَهُمَا مُتَوَافِقَيْنِ مُتَطَابِقَيْنِ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّصْدِيقُ بِأَحَدِهِمَا مَعَ التَّكْذِيبِ بِالْآخَرِ أَلْبَتَّةَ، فَإِنَّ الْمُكَذِّبَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدُّ تَكْذِيبًا لِلْمَسِيحِ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنْ آمَنَ بِمَسِيحٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا وُجُودَ فَهُوَ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute