الْكَنَائِسَ وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ، لِمَا بَلَغَهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ. فَلَمَّا وَجَّهُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَجْرَانَ، جَلَسَ أَبُو حَارِثَةَ عَلَى بَغْلَةٍ مُوَجِّهًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ يُقَالُ لَهُ: كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ يُسَايِرُهُ إِذْ عَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ فَقَالَ لَهُ كُرْزٌ: تَعِسَ الْأَبْعَدُ، يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ: بَلْ أَنْتَ تَعِسْتَ. فَقَالَ: وَلِمَ يَا أَخِي؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُهُ، فَقَالَ لَهُ كُرْزٌ: فَمَا يَمْنَعُكَ مِنَ اتِّبَاعِهِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا؟ فَقَالَ: مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، شَرَّفُونَا وَمَوَّلُونَا، وَأَكْرَمُونَا وَقَدْ أَبَوْا إِلَّا خِلَافَهُ، وَلَوْ فَعَلْتُ نَزَعُوا مِنَّا ذَلِكَ، فَأَصَرَّ عَلَيْهِ أَخُوهُ كُرْزُ بْنُ عَلْقَمَةَ حَتَّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الَّذِينَ مَنَعَتْهُمُ الرِّئَاسَةُ وَالْمَأْكَلَةُ مِنَ اخْتِيَارِ الْهُدَى وَآثَرُوا دِينَ قَوْمِهِمْ. وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الرُّؤَسَاءِ الْمَتْبُوعِينَ الَّذِينَ هُمْ عُلَمَاؤُهُمْ وَأَحْبَارُهُمْ كَانَ بَقِيَّتُهُمْ تَبَعًا لَهُمْ.
وَلَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ تَمْنَعَ الرِّئَاسَةُ وَالْمَنَاصِبُ وَالْمَأْكَلُ لِلرُّؤَسَاءِ، وَيَمْنَعَ الْأَتْبَاعَ تَقْلِيدُهُمْ، بَلْ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ، وَالْعَقْلُ لَا يَسْتَشْكِلُهُ.
(فَصْلٌ) : وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، الرَّئِيسُ الْمُطَاعُ فِي قَوْمِهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute