للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُلْكٌ نَفْسُهُ نُبُوَّةٌ، وَالْبِشَارَةُ لَمْ تَقَعْ بِالْمُلْكِ الْأَوَّلِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا ادَّعَى صَاحِبُهُ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ، وَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ وَأَفْجَرِهِمْ وَأَكْفَرِهِمْ، فَهَذَا لَا تَقَعُ الْبِشَارَةُ بِمُلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّحْذِيرُ مِنْ فِتْنَتِهِ، كَمَا وَقَعَ التَّحْذِيرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، بَلْ هَذَا شَرٌّ مِنْ سَنْحَارِيبَ وَبُخْتَ نَصَّرَ، وَالْمُلُوكِ الظَّالِمَةِ الْفَجَرَةِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، فَالْأَخْبَارُ لَا تَكُونُ بِشَارَةً، وَلَا يَفْرَحُ بِهِ هَاجَرُ وَإِبْرَاهِيمُ، وَلَا بَشَرٌ مِمَّنْ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِنَابَةً لَهَا مِنْ خُضُوعِهَا وَذُلِّهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمِعَ ذَلِكَ، وَيُعَظِّمُ هَذَا الْمَوْلُودَ وَيَجْعَلُهُ لِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْجَاحِدِينَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّكِ سَتَلِدِينَ جَبَّارًا ظَالِمًا طَاغِيًا يَقْهَرُ النَّاسَ بِالْبَاطِلِ، وَيَقْتُلُ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، وَيَسْبِي حَرِيمَهُمْ، وَيَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ بِالْبَاطِلِ، وَيُبَدِّلُ أَدْيَانَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

فَمَنْ حَمَلَ هَذِهِ الْبِشَارَةَ عَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْخَلْقِ بُهْتَانًا وَفِرْيَةً عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُسْتَنْكَرٍ لِأُمَّةِ الْغَضَبِ، وَقَتَلَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْقَوْمِ الْبُهْتِ.

(فَصْلٌ) قَوْلُ دَاوُدَ فِي الزَّبُورِ: سَبِّحُوا اللَّهَ تَسْبِيحًا جَدِيدًا، وَلْيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ، وَبُيُوتُ صُهْيُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَهُ أُمَّتَهُ، وَأَعْطَاهُمُ النَّصْرَ، وَسَدَّدَ الصَّالِحِينَ بِالْكَرَامَةِ، وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَيُكَبِّرُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ، بِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ ذَاتُ شَفْرَتَيْنِ، لِيَنْتَقِمَ بِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ لَا يَعْبُدُونَهُ، يُوثِقُونَ مُلُوكَهُمْ بِالْقُيُودِ، وَأَشْرَافَهُمْ بِالْأَغْلَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>