للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَازَ الْمَسَاعِيَ الْقَدِيمَةَ، ثُمَّ قَالَ: زَجَرُكَ فِي الْأَنْهَارِ، وَاحْتِذَامُ صَوْتِكَ فِي الْبِحَارِ، رَكِبْتَ الْخُيُولَ، وَعَلَوْتَ مَرَاكِبَ الْأَتْقِيَاءِ، وَسَتَنْزِعُ فِي قِسِيِّكَ أَعْرَاقًا، وَتَرْتَوِي الْهَامُ بِأَمْرِكَ يَا مُحَمَّدُ ارْتِوَاءً، وَلَقَدْ رَأَتْكَ الْجِبَالُ فَارْتَاعَتْ، وَانْحَرَفَ عَنْكَ شُؤْبُوبُ السَّيْلِ، وَتَضَيَّمَتِ الْمَهَارِيُّ تَضَوُّرًا، وَرَفَعَتْ أَيْدِيهَا وَجَلًا وَخَوْفًا، وَسَارَتِ الْعَسَاكِرُ فِي بَرِيقِ سِهَامِكَ، وَلَمَعَانِ نَيَازِكِكَ، وَتَدُوخُ الْأَرْضَ وَتَدُوسُ الْأُمَمَ أَنَّكَ ظَهَرْتَ بِخَلَاصِ أُمَّتِكَ، وَإِنْقَاذِ تُرَابِ آبَائِكِ.

فَمَنْ رَامَ صَرْفَ هَذِهِ الْبِشَارَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَدْ رَامَ سَتْرَ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَتَغْطِيَةِ الْبِحَارِ، وَأَنَّى يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ وَصَفَهُ بِصِفَاتٍ عَيَّنَتْ شَخْصَهُ، وَأَزَالَتْ عَنِ الْحَيْرَانِ لَبْسَهُ؟! بَلْ قَدْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى انْكَشَفَ الصُّبْحُ لِمَنْ كَانَ ذَا عَيْنَيْنِ، وَأَخْبَرَ بِقُوَّةِ أُمَّتِهِ، وَتَسْيِيرِ الْمَنَايَا أَمَامَهُمْ، وَاتِّبَاعِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ آثَارَهُمْ، وَهَذِهِ النُّبُوَّةُ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَنْزِلُ إِلَّا عَلَيْهِ، فَمَنْ حَاوَلَ صَرْفَ الْأَنْهَارَ الْعَظِيمَةَ عَنْ مَجَارِيهَا، وَحَبْسَهَا عَنْ غَايَتِهَا وَمُنْتَهَاهَا، فَهَيْهَاتَ مَا يَرُومُ الْمُبْطِلُونَ وَالْجَاحِدُونَ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

فَمِنَ الَّذِي امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنْ حَمْدِهِ وَحَمْدِ أُمَّتِهِ فِي صَلَوَاتِهِمْ وَخَطَبِهِمْ، وَإِدْبَارِ صَلَوَاتِهِمْ، وَعَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَجَمِيعِ الْأَحْوَالِ سِوَاهُمْ! حَتَّى سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ ظُهُورِهِمُ الْحَمَّادِينَ! وَمَنْ ذَا الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ كَأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَجْرِيَانِ فِيهِ مِنْ ضِيَائِهِ وَنُورِهِ؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>