امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنْ أُمَّتِهِ، وَسُلْطَانُهُ دَائِمَ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُزِيلَهُ، كَمَا أَزَالُ سُلْطَانَ الْيَهُودِ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَزَالَ سُلْطَانَ النَّصَارَى عَنْ خِيَارِ الْأَرْضِ - وَسَطِهَا - فَصَارَ فِي بَعْضِ أَطْرَافِهَا، وَأَزَالَ سُلْطَانَ الْمَجُوسِ وَعُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَسُلْطَانَ الصَّابِئِينَ.
قَوْلُ دَانْيَالَ أَيْضًا: سَأَلْتُ اللَّهَ وَتَضَرَّعْتُ إِلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِي مَا يَكُونُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهَلْ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَيَرُدُّ إِلَيْهِمْ مُلْكَهُمْ، وَيَبْعَثُ إِلَيْهِمُ الْأَنْبِيَاءَ، أَوْ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ، فَظَهَرَ لِيَ الْمَلَكُ فِي صُورَةِ شَابٍّ حَسَنِ الْوَجْهِ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا دَانْيَالُ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَغْضَبُونِي، وَتَمَرَّدُوا عَلَيَّ وَعَبَدُوا مِنْ دُونِي آلِهَةً أُخْرَى، وَصَارُوا مِنْ بَعْدِ الْعِلْمِ إِلَى الْجَهْلِ، وَمِنْ بَعْدِ الصِّدْقِ إِلَى الْكَذِبِ، فَسَلَّطْتُ عَلَيْهِمْ بُخْتَ نَصَّرَ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهِمْ، وَهَدَمَ مَسَاجِدَهُمْ، وَحَرَقَ كُتُبَهُمْ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ مَنْ بَعْدَهُ بِهِمْ، وَأَنَا غَيْرُ رَاضٍ عَنْهُمْ، وَلَا مُقِيلُهُمْ عَثَرَاتِهِمْ، فَلَا يَزَالُونَ فِي سُخْطِي حَتَّى أَبْعَثَ مَسِيحِي ابْنِ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، وَأَخْتِمُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِاللَّعْنِ وَالسُّخْطِ، فَلَا يَزَالُونَ مَلْعُونِينَ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ حَتَّى أَبْعَثَ نَبِيَّ بَنِي إِسْمَاعِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ هَاجَرَ، وَأَرْسَلْتُ إِلَيْهَا مَلَاكِي، فَبَشَّرَهَا، وَأُوحِي إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ، وَأُعَلِّمُهُ الْأَسْمَاءَ، وَأُزَيِّنُهُ بِالتَّقْوَى، وَأَجْعَلُ الْبِرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ، وَالصِّدْقَ قَوْلَهُ، وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْقَصْدَ سِيرَتَهُ، وَالرُّشْدَ سُنَّتَهُ، أَخُصُّهُ بِكِتَابٍ مُصَدَّقٍ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَنَاسِخٍ لِبَعْضِ مَا فِيهَا، أُسْرِي بِهِ إِلَيَّ، وَأَرْقِيهِ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حَتَّى يَعْلُوَ فَأُدْنِيَهُ، وَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَأُوحِيَ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَرُدَّهُ إِلَى عِبَادِي بِالسُّرُورِ وَالْغِبْطَةِ، حَافِظًا لِمَا اسْتُودِعَ، صَادِقَا فِيمَا أَمَرَ، يَدْعُو إِلَى تَوْحِيدِي بِاللِّينِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، لَا فَظٌّ وَلَا غَلِيظٌ وَلَا صَخَّابٌ بِالْأَسْوَاقِ، رَءُوفٌ بِمَنْ وَالَاهُ، رَحِيمٌ بِمَنْ آمَنَ بِهِ، خَشِنٌ عَلَى مَنْ عَادَاهُ، فَيَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى تَوْحِيدِي وَعِبَادَتِي، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا رَأَى مِنْ آيَاتِي، فَيُكَذِّبُونَهُ وَيُؤْذُونَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute