للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنَّ شَوَاهِدَ النُّبُوَّةِ وَآيَتَهَا لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ نَعْتِ النَّبِيِّ وَصِفَتِهِ، وَشَوَاهِدُهَا مُتَنَوِّعَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ جِدًّا، وَنَعْتُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا.

وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُمْ عَنِ الشَّوَاهِدِ وَالْأَخْبَارِ الَّتِي فِي كُتُبِكُمْ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَهَا وَلَا سَمِعُوهَا بَلْ أَسْلَمُوا لِلشَّوَاهِدِ الَّتِي عَايَنُوهَا، وَالْآيَاتِ الَّتِي شَاهَدُوهَا، وَجَاءَتْ تِلْكَ الشَّوَاهِدُ الَّتِي عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ مُقَوِّيَةً وَعَاضِدَةً مِنْ بَابِ تَقْوِيَةِ الْبِنْيَةِ، وَقَدْ تَمَّ النِّصَابُ بِدُونِهَا. فَهَؤُلَاءِ الْعَرَبُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ لَمْ يَتَوَقَّفْ إِسْلَامُهُمْ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الشَّوَاهِدِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ بَلَغَ بَعْضَهُمْ وَسَمِعَهُ مِنْهُمْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا، كَمَا كَانَ الْأَنْصَارُ يَسْمَعُونَ مِنَ الْيَهُودِ صِفَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْثَهُ وَمَخْرَجَهُ، فَلَمَّا عَايَنُوهُ وَأَبْصَرُوهُ عَرَفُوهُ بِالنَّعْتِ الَّذِي أَخْبَرَهُمْ بِهِ الْيَهُودُ فَسَبَقُوهُمْ إِلَيْهِ، فَشَرِقَ أَعْدَاءُ اللَّهِ بِرِيقِهِمْ وَغُصُّوا بِمَائِهِمْ، وَقَالُوا: لَيْسَ هُوَ الَّذِي كُنَّا نَعِدُهُمْ بِهِ.

وَالْعِلْمُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَالْمَسِيحِ وَمُوسَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ مَنْ قَبْلَهُمْ أَخْبَرَهُمْ وَبَشَّرَ بِنُبُوَّتِهِمْ، بَلْ طُرُقُ الْعِلْمِ بِهَا مُتَعَدِّدَةٌ، فَإِذَا عُرِفَتْ نُبُوَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ وَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَبْلَهُ بَشَّرَ بِهِ. وَإِذَا عُلِمَتْ نُبُوَّتُهُ بِمَا قَامَ عَلَيْهَا مِنَ الْبَرَاهِينِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَبْشِيرُ مَنْ قَبْلُهُ بِهِ لَازِمًا لِنُبُوَّتِهِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَازِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَمْ يَجِبْ وُقُوعُهُ وَلَا يَتَوَقَّفْ تَصْدِيقُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ، بَلْ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ بِدُونِهِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ، وَعَدَمُ نَقْلِهِ إِلَيْنَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّيْءِ نَقْلُهُ الْعَامِّ وَلَا الْخَاصِّ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ مُوسَى وَالْمَسِيحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>