للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَطَبَهُمْ حَتَّى حَضَرَتِ الْمَغْرِبُ، فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ، فَكَانَ أَعْلَمُهُمْ أَحْفَظَهُمْ. وَخَطَبَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى فَذَكَرَ بَدْءَ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ.

وَقَالَ يَهُودِيٌّ لِسَلْمَانَ: لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةِ! قَالَ أَجَلْ. فَهَذَا الْيَهُودِيُّ كَانَ أَعْلَمَ بِنَبِيِّنَا مِنْ هَذَا السَّائِلِ وَطَائِفَتِهِ!! .

وَكَيْفَ يُدَّعَى فِي أَصْحَابِ نَبِيِّنَا أَنَّهُمْ وَهَذِهِ الْعُلُومُ النَّاقِصَةُ الْمَبْثُوثَةُ فِي الْأُمَمِ عَلَى كَثْرَتِهَا وَاتِّسَاعِهَا وَتَفَنُّنِ ضُرُوبِهَا إِنَّمَا هِيَ عَنْهُمْ مَأْخُوذَةٌ، وَمِنْ كَلَامِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ مُسْتَنْبَطَةٌ، وَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ كَانَ مِنْ صِبْيَانِهِمْ وَفِتْيَانِهِمْ وَقَدْ طَبَقَ الْأَرْضَ عِلْمًا، وَبَلَغَتْ فَتَاوِيهِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ سِفْرًا، وَكَانَ بَحْرًا لَا يَنْزِفُ، لَوْ نَزَلَ بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ لَأَوْسَعَهُمْ عِلْمًا، وَكَانَ إِذَا أَخَذَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفَرَائِضِ يَقُولُ الْقَائِلُ: لَا يُحْسِنُ سِوَاهُ، فَإِذَا أَخَذَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ يَقُولُ السَّامِعُ: لَا يُحْسِنُ سِوَاهُ، فَإِذَا أَخَذَ فِي السُّنَّةِ وَالرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْقَائِلُ: لَا يُحْسِنُ سِوَاهُ، فَإِذَا أَخَذَ فِي الْقَصَصِ وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ وَسِيَرِ الْمَاضِينَ فَكَذَلِكَ، فَإِذَا أَخَذَ فِي أَنْسَابِ الْعَرَبِ وَقَبَائِلِهَا وَأُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا فَكَذَلِكَ، فَإِذَا أَخَذَ فِي الشِّعْرِ وَالْغَرِيبِ فَكَذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>