مِنْهَا: أَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ مُبَالَغَتَهُمْ فِي مُضَادَّةِ مَذَاهِبِ الْأُمَمِ حَتَّى لَا يَخْتَلِطُوا بِهِمْ، فَيُؤَدِّي اخْتِلَاطُهُمْ بِهِمْ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ وَالْخُرُوجِ مِنَ السَّبْتِ وَالْيَهُودِيَّةِ.
الْقَصْدُ الثَّانِي: أَنَّ الْيَهُودَ مُبَدَّدُونَ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا وَجَنُوبِهَا وَشَمَالِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا وَمَا مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي بَلْدَةٍ إِلَّا إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ يُظْهِرُ لَهُمُ الْخُشُونَةَ فِي دِينِهِ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الِاحْتِيَاطِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ فُقَهَائِهِمْ شَرَعَ فِي إِنْكَارِ أَشْيَاءَ عَلَيْهِمْ يُوهِمُهُمْ قِلَّةَ دِينِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَكُلَّمَا شَدَّدَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: هَذَا هُوَ الْعَالِمُ، فَأَعْلَمُهُمْ أَعْظَمُهُمْ تَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ، فَتَرَاهُ أَوَّلَ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ لَا يَأْكُلُ مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ، وَيَتَأَمَّلُ سِكِّينَ الذَّابِحِ وَيَشْرَعُ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ بِبَعْضِ أَمْرِهِ، وَيَقُولُ: لَا آكُلُ إِلَّا مِنْ ذَبِيحَةِ يَدِي.
فَتَرَاهُمْ مَعَهُ فِي عَذَابٍ، وَيَقُولُونَ: هَذَا عَالِمٌ غَرِيبٌ قَدِمَ عَلَيْنَا فَلَا يَزَالُ يُنْكِرُ عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ، وَيُشَدِّدُ عَلَيْهِمُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ، وَيَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابَ الْمَكْرِ وَالِاحْتِيَالِ، وَكُلَّمَا فَعَلَ هَذَا قَالُوا: هَذَا هُوَ الْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ وَالْحَاخَامُ الْفَاضِلُ، فَإِذَا رَآهُ رَئِيسُهُمْ قَدْ مَشَى حَالُهُ وَقِيلَ بَيْنِهِمْ مَقَالَهُ، وَزَنَ نَفْسَهُ مَعَهُ فَإِذَا رَأَى أَنَّهُ أَزْرَى بِهِ وَطَعَنَ عَلَيْهِ، لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الْغَالِبِ يَمِيلُونَ مَعَ الْغَرِيبِ، وَيَنْسُبُهُ أَصْحَابُهُ إِلَى الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الدِّينِ، وَلَا يُصَدِّقُونَهُ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْقَادِمَ قَدْ شَدَّدَ عَلَيْهِمْ وَضَيَّقَ، وَكُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَعْظَمَ تَشْدِيدًا وَتَضْيِيقًا كَانَ أَفْقَهَ عِنْدِهِمْ، فَيَنْصَرِفُ عَنْ هَذَا الرَّأْيِ فَيَأْخُذُ فِي مَدْحِهِ وَشُكْرِهِ، فَيَقُولُ: لَقَدْ عَظَّمَ اللَّهُ ثَوَابَ فُلَانٍ إِذْ قَوَّى نَامُوسَ الدِّينِ فِي قُلُوبِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، شَيَّدَ أَسَاسَهُ، وَأَحْكَمَ سِيَاجَ الشَّرْعِ، فَيَبْلُغُ الْقَادِمُ قَوْلَهُ فَيَقُولُ: هَذَا مَا عِنْدَكُمْ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْهُ وَإِذَا لَقِيَهُ يَقُولُ: لَقَدْ زَيَّنَ اللَّهُ بِكَ أَهْلَ بَلَدِنَا وَنَعَّشَ بِكَ هَذِهِ الطَّائِفَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute