لَمْ يُصِبْهُمُ الْجَلَاءُ، فَكَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ، وَشَتَّتَهُمْ وَمَزَّقَهُمْ بِالْإِسْلَامِ كُلَّ مُمَزَّقٍ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ أَطْيَبَ مِنْهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا آمَنَ، فَإِنَّ الَّذِي نَالَهُمْ مِنَ النَّصَارَى وَالْفُرْسِ وَعُبَّادِ الْأَصْنَامِ لَمْ يَنَلْهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي نَالَهُمْ مَعَ مُلُوكِهِمُ الْعُصَاةِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْأَنْبِيَاءَ وَبَالَغُوا فِي طَلَبِهِمْ، وَعَبَدُوا الْأَصْنَامَ، وَأَحْضَرُوا مِنَ الْبِلَادِ سَدَنَةَ الْأَصْنَامَ لِتَعْظِيمِهَا وَتَعْظِيمِ رُسُومِهَا فِي الْعِبَادَةِ، وَبَنَوْا لَهَا الْبِيَعَ وَالْهَيَاكِلَ وَعَكَفُوا عَلَى عِبَادَتِهَا وَتَرَكُوا لَهَا أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ وَشَرْعَ مُوسَى أَزْمِنَةً طَوِيلَةً، وَأَعْصَارًا مُتَّصِلَةً، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُمْ مَعَ مُلُوكِهِمْ فَمَا الظَّنُّ بِشَأْنِهِمْ مَعَ أَعْدَائِهِمْ، وَأَشَدِّ الْأَعْدَاءِ عَلَيْهِمْ كَالنَّصَارَى الَّذِينَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوا الْمَسِيحَ وَصَلَبُوهُ وَصَفَعُوهُ وَبَصَقُوا فِي وَجْهِهِ، وَوَضَعُوا الشَّوْكَ عَلَى رَأْسِهِ، وَكَالْفُرْسِ وَالْكِلْدَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَكَثِيرًا مَا مَنَعَهُمْ مُلُوكُ الْفُرْسِ مِنَ الْخِتَانِ وَجَعَلُوهُمْ قُلْفًا، وَكَثِيرًا مَا مَنَعُوهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ لِمَعْرِفَتِهِمْ أَنَّ مُعْظَمَ صَلَوَاتِهِمْ دُعَاءٌ إِلَى الْأُمَمِ بِالْبَوَارِ وَعَلَى بِلَادِهِمْ بِالْخَرَابِ إِلَّا أَرْضَ كَنْعَانَ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ صَلَاتَهُمْ هَكَذَا مَنَعُوهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ، فَرَأَتِ الْيَهُودُ أَنَّ الْفُرْسَ قَدْ جَدُّوا فِي مَنْعِهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ، فَاخْتَرَعُوا أَدْعِيَةً خَرَّجُوا بِهَا صَلَاتَهُمْ سَمَّوْهَا الْخِزَانَةَ، وَصَاغُوا لَهَا أَلْحَانًا عَدِيدَةً وَصَارُوا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَلْحِينِهَا وَتِلَاوَتِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخِزَانَةِ وَالصَّلَاةِ، أَنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ لَحْنٍ، وَيَكُونُ الْمُصَلِّي فِيهَا وَحْدَهُ، وَالْخِزَانَةُ بِلَحْنٍ يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهِ، وَكَانَتِ الْفُرْسُ إِذَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، قَالَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute