للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِطْبَاقِ الْأُمَمِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ بَعْدَ مُعَايَنَةِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، فَلِعِبَادِ الصَّلِيبِ أُسْوَةٌ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ.

فَصْلٌ: فِي ذِكْرِ اسْتِنَادِهِمْ فِي دِينِهِمْ إِلَى أَصْحَابِ الْمَجَامِعِ الَّذِي كَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَتَلَقِّيهِمْ أُصُولَ دِينِهِمْ عَنْهُمْ.

وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْأَمْرَ كَيْفَ ابْتَدَأَ، وَتَوَسَّطَ، وَانْتَهَى، حَتَّى كَأَنَّكَ تَرَاهُ عِيَانًا. كَانَ اللَّهُ قَدْ بَشَّرَ بِالْمَسِيحِ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِ، مِنْ لَدُنْ مُوسَى إِلَى زَمَنِ دَاوُدَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبْشِيرًا بِهِ دَاوُدُ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَنْتَظِرُهُ وَتُصَدِّقُ بِهِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا وَشَرَّدُوهُ فِي الْبِلَادِ وَطَرَدُوهُ وَحَبَسُوهُ، وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ مِرَارًا إِلَى أَنْ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَتْلِهِ فَصَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنْقَذَهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يُهِنْهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَشُبِّهَ لَهُمْ أَنَّهُمْ صَلَبُوهُ، وَلَمْ يَصْلُبُوهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ، فَقِيلَ الْمَعْنَى: وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ لِلَّذِينِ صَلَبُوهُ، بِأَنْ أُلْقِيَ شَبَهُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَصَلَبُوا الشَّبَهَ.

وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ لِلنَّصَارَى، أَيْ حَصَلَتْ لَهُمُ الشُّبْهَةُ فِي أَمْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>