وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ، وَيُسَمُّونَهُ بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِالْكَلِمَةِ وَلَا بِرُوحِ الْقُدُسِ، وَهَذِهِ مَقَالَةُ بُولُسَ وَأَشْيَاعِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ: ثَلَاثَةُ آلِهَةٍ لَمْ يَزَلْ صَالِحٌ وَطَالِحٌ وَعَدْلٌ بَيْنَهُمَا، وَهَذِهِ مَقَالَةُ مَرْقِيُونَ وَأَشْيَاعِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رَبُّنَا هُوَ الْمَسِيحُ، وَهِيَ مَقَالَةُ الثَّلَاثِمِائَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا.
قَالَ ابْنُ الْبِطْرِيقِ: فَلَمَّا سَمِعَ قُسْطَنْطِينُ الْمَلِكُ مَقَالَاتِهِمْ عَجِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَخْلَى لَهُمْ دَارًا، وَتَقَدَّمَ لَهُمْ بِالْإِكْرَامِ وَالضِّيَافَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَنَاظَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ لِيُنْظَرَ مَنْ مَعَهُ الْحَقُّ فَيَتْبَعَهُ، فَاتَّفَقَ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ عَشَرَ أُسْقُفًّا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ.
وَنَاظَرُوا بَقِيَّةَ الْأَسَاقِفَةِ الْمُخْتَلِفِينَ، فَفَلَحُوا عَلَيْهِمْ فِي الْمُنَاظَرَةِ.
وَكَانَ بَاقِي الْأَسَاقِفَةِ مُخْتَلِفِي الْأَرَاءِ وَالْأَدْيَانِ، فَصَنَعَ الْمَلِكُ لِلثَّلَاثِمِائَةِ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا مَجْلِسًا عَظِيمًا، وَجَلَسَ فِي وَسَطِهِ، وَأَخَذَ خَاتَمَهُ وَسَيْفَهُ، وَقَضِيبَهُ فَدَفَعَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ سَلَّطْتُكُمُ الْيَوْمَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَصْنَعُوا، مِمَّا فِيهِ قِوَامُ الدِّينِ وَصَلَاحُ الْأُمَّةِ، فَبَارَكُوا عَلَى الْمَلِكِ وَقَلَّدُوهُ سَيْفَهُ، وَقَالُوا لَهُ: أَظْهِرْ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ وَذَبَّ عَنْهُ، وَوَضَعُوا لَهُ أَرْبَعِينَ كِتَابًا فِيهَا السُّنَنُ وَالشَّرَائِعُ، وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ الْأَسَاقِفَةُ وَمَا يَصْلُحُ لِلْمَلِكِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute