الْخَصْمُ، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ شُهُودٌ عُدُولٌ صَادِقُونَ، ثُمَّ شَهِدَ آخَرُ عَلَى شَهَادَتِهِمْ سَوَاءٌ، فَقَالَ الْخَصْمُ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَكَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهَا، فَذَلِكَ تَكْذِيبٌ بِشَهَادَةِ جَمِيعِ الشُّهُودِ قَطْعًا، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ تَكْذِيبِهِمِ اعْتِرَافُهُ بِصِحَّةِ شَهَادَتِهِمْ، وَأَنَّهَا شَهَادَةُ حَقٍّ، وَأَنَّ الشَّاهِدَ بِهَا كَاذِبٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ.
وَكَمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَطَلَتْ نُبُوَّاتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، فَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يُصَدَّقْ لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقُ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) : أَنَّ الْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ آيَاتِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، فَلَيْسَ لِنَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ آيَةٌ تُوجِبُ الْإِيمَانَ بِهِ إِلَّا وَلِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهَا، أَوْ مَا هُوَ فِي الدَّلَالَةِ مِثْلُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهَا.
فَآيَاتُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ، وَأَبْهَرُ وَأَدَلُّ، وَالْعِلْمُ بِنَقْلِهَا قَطْعِيٌّ لِقُرْبِ الْعَهْدِ وَكَثْرَةِ النَّقَلَةِ، وَاخْتِلَافِ أَمْصَارِهِمْ وَأَعْصَارِهِمْ، وَاسْتِحَالَةِ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، فَالْعِلْمُ بِآيَاتِ نُبُوَّتِهِ كَالْعِلْمِ بِنَفْسِ وُجُودِهِ، وَظُهُورِهِ وَبَلَدِهِ، بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُ الْمُكَابَرَةُ فِي ذَلِكَ، وَالْمُكَابِرُ فِيهِ فِي غَايَةِ الْوَقَاحَةِ وَالْبَهْتِ، كَالْمُكَابَرَةِ فِي وُجُودِ مَا شَاهَدَ النَّاسُ، وَلَمْ يُشَاهِدْهُ هُوَ مِنَ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ وَالْجِبَالِ وَالْأَنْهَارِ.
فَإِنْ جَازَ الْقَدْحُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَفِي وُجُودِ مُوسَى وَعِيسَى وَآيَاتِ نُبُوَّتِهِمَا أَجْوَزُ وَأَجْوَزُ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْقَدْحُ فِيهِمَا وَفِي آيَاتِ نُبُوَّتِهِمَا، فَامْتِنَاعُهُ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَاتِ نُبُوَّتِهِ أَشَدُّ. وَلِذَلِكَ لَمَّا عَلِمَ بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْإِيمَانَ بِمُوسَى لَا يَتِمُّ مَعَ التَّكْذِيبِ بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا، كَفَرَ بِالْجَمِيعِ وَقَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ كَمَا قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute