يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلَا تَأْتِيَنَا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ، كَمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى أَلْوَاحًا يَحْمِلُهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً الْآيَةَ.
فَجَثَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ وَفِي لَفْظٍ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَلَا عَلَى مُوسَى وَلَا عَلَى عِيسَى وَلَا عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا، مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبْوَتَهُ وَجَعَلَ يَقُولُ: وَلَا عَلَى أَحَدٍ؟.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَهُمُ الَّذِينَ جَحَدُوا أَصْلَ الرِّسَالَةِ وَكَذَّبُوا بِالرُّسُلِ وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَمْ يَجْحَدُوا نُبُوَّةَ مُوسَى وَعِيسَى، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ، فَهُوَ أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنِ الْيَهُودِ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُمْ ذِكْرٌ يَكُونُ هَذَا بِهِ مُتَّصِلًا مَعَ مَا فِي الْخَبَرِ عَمَّنْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ إِنْكَارِهِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ شَيْئًا مِنَ الْكُتُبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَا يَدِينُ بِهِ الْيَهُودُ، بَلِ الْمَعْرُوفُ مِنْ دِينِ الْيَهُودِ الْإِقْرَارُ بِصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَزَبُورِ دَاوُدَ، وَالْخَبَرُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ خَبَرٌ عَنِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ مَوْصُولٌ بِهِ غَيْرُ مَفْصُولٍ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَيُقَوِّي قَوْلَهُ إِنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، فَهِيَ خَبَرٌ عَنْ زَنَادِقَةِ الْعَرَبِ الْمُنْكِرِينَ لِأَصْلِ النُّبُوَّةِ، وَلَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: فَكَيْفَ يَحْسُنُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يُقِرُّونَ بِهِ مِنْ إِنْزَالِ الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى؟ وَكَيْفَ يُقَالُ لَهُمْ (يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا) وَلَا سِيَّمَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِتَاءِ الْخِطَابَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute