ضَلَّ فَكَذَلِكَ أَقُولُ: جَفَّ الْعِلْمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ رُسُلَهُ لِيُخْرِجُوا النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فَمَنْ أَجَابَهُمْ خَرَجَ إِلَى الْفَضَاءِ وَالنُّورِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْهُمْ بَقِيَ فِي الضِّيقِ وَالظُّلْمَةِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا، وَهِيَ ظُلْمَةُ الطَّبْعِ وَظُلْمَةُ الْجَهْلِ وَظُلْمَةُ الْهَوَى وَظُلْمَةُ الْغَفْلَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَكَمَالِهَا وَمَا تَسْعَدُ بِهِ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا.
فَهَذِهِ كُلُّهَا ظُلُمَاتٌ، خُلِقَ فِيهَا الْعَبْدُ فَبَعَثَ اللَّهُ رُسُلَهُ لِإِخْرَاجِهِ مِنْهَا إِلَى نُورِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْهُدَى الَّذِي لَا سَعَادَةَ لِلنَّفْسِ بِدُونِهِ أَلْبَتَّةَ، فَمَنْ أَخْطَأَهُ هَذَا النُّورُ أَخْطَأَهُ حَظُّهُ وَكَمَالُهُ وَسَعَادَتُهُ، وَصَارَ يَتَقَلَّبُ فِي ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، فَمَدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ، وَقَوْلُهُ ظُلْمَةٌ، وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَقَصْدُهُ ظُلْمَةٌ، وَهُوَ مُتَخَبِّطٌ فِي ظُلُمَاتِ طَبْعِهِ وَهَوَاهُ وَجَهْلِهِ، وَوَجْهُهُ مُظْلِمٌ، وَقَلْبُهُ مُظْلِمٌ، لِأَنَّهُ مُبَقًّى عَلَى الظُّلْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْعَقَائِدِ إِلَّا ظُلُمَاتُهَا، فَلَوْ أَشْرَقَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ نُورِ النُّبُوَّةِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ عَلَى بَصَائِرِ الْخَفَّاشِ.
بَصَائِرُ غَشَّاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ ... وَلَاءَمَهَا قِطَعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ
يَكَادُ نُورُ النُّبُوَّةِ يُلَمِّعُ تِلْكَ الْأَبْصَارَ، وَيَخْطَفُهَا لِشِدَّتِهِ وَضَعْفِهَا، فَتَهْرُبُ إِلَى الظُّلُمَاتِ لِمُوَافَقَتِهَا لَهَا وَمُلَاءَمَتِهَا إِيَّاهَا.
وَالْمُؤْمِنُ عَمَلُهُ نُورٌ وَقَوْلُهُ نُورٌ، وَمَدْخَلُهُ نُورٌ وَمَخْرَجُهُ نُورٌ، وَقَصْدُهُ نُورٌ، فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي النُّورِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute