للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أراد بمسير أنه في جميع أموره يتحرك بتدبير الله وتقديره ومشيئته فنعم، وإن أراد أنه مسير لا اختيار له ولا مشيئة؛ بل هو مجبور؛ فهذا باطل (١).

وقوله: «والأعمال بالخواتيم».

أي: أن المعتبر في مصير العبد هو ما يختم له به، فقد يعيش الإنسان عمرًا طويلًا وهو في أعمال الكفر والضلال والعصيان، ثم يدركه ما سبق به الكتاب، فيؤمن ويموت، فيُختَم له بالإيمان والعمل الصالح، كحادثة سحرة فرعون أمضوا حياتهم كلها في عبادة فرعون، وعمل السحر، ولما رأوا الآيات أشرق الإيمان في قلوبهم، ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (٤٦) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (٤٨)[الشعراء]، وقوله تعالى حكاية عن قول فرعون لهم: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٧١) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ [طه]، تحولوا من الكفر الذي هو من أغلظ الكفر إلى هذه المرتبة من الإيمان، فصاروا إلى كرامة الله، فختم لهم بذلك العمل. وشواهد هذا كثيرة.

وكم من كافر يسلم ثم ينضم إلى صف المسلمين فيقاتِل ويُقتَل ولم يعمل قبلها شيئًا؛ لكنه آمن بالله ورسوله إيمانًا صادقًا، وفي الحديث الصحيح عن النبي أنه قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتَل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد» (٢)، وفي حديث ابن مسعود في الصحيحين: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يُجمع خلقه


(١) انظر ص ٤٨٨.
(٢) رواه البخاري (٢٨٢٦)، ومسلم (١٨٩٠) من حديث أبي هريرة .

<<  <   >  >>