للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو يهدي من يشاء بفضله وحكمته، ويضل ويخذل ويبتلي من يشاء بعدله وحكمته، فالحكمة ثابتة في كل تدبير، فهو يضع فضله في مواضعه؛ لأن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والعدل: وضع الأشياء في مواضعها، فالله تعالى يضع فضله في مواضعه حيث شاء على وفق الحكمة، خلافًا لقول الجهمية ومن تبعهم كالأشاعرة: إن كل ما يجري بمحض المشيئة دون أن تكون له تعالى حكمة في هذا التقدير والتدبير، وقد تقدم نحو هذا المعنى (١).

المقصود: أنه يجب الإيمان بأن أفعالَه جاريةٌ على وفق العدل والحكمة، فأفعاله دائرة بين الفضل والعدل، والظلم مما يجب تنزيهه تعالى عنه، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)[فصلت]، ﴿وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)[ق]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠]، والآيات في تنزيهه تعالى عن الظلم كثيرة.

فلا يُعذِّب أحدًا بغير ذنب، ولا يُعذِّب أحدًا بذنب غيره، وجاء في الحديث عن النبي : «لو أن الله تعالى عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم» (٢)، فلن يعذبهم إلا بما يقتضي تعذيبهم، وهو قادر أن يعذب من شاء بغير ذنب، أو يعذب من شاء بذنب غيره؛ لكنه لا يفعل ذلك لكمال عدله سبحانه، وقد حرم الظلم على نفسه كما في الحديث القدسي عن أبي ذر عن النبي : قال: قال الله تعالى: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا؛


(١) ص ٨٩ - ٩٤.
(٢) تقدم تخريجه عند طرفه: «واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك» ص ٢١٦.

<<  <   >  >>