فهذان فريقان على طرفي نقيض: المتعصبون للأئمة المُقدِّمون لأقوالهم على كتاب الله وسنة رسوله، والمتنقصون المستخفون بأهل العلم من السلف الصالح ومن سار على منهجهم وطريقتهم، وبين ذلك القول الوسط، وهو الذي عبَّر عنه الإمام الطحاوي وقصد إليه، وهو الاعتراف بفضل العلماء، وإنزال كل منزلته، والانتفاع بعلومهم وفهومهم، فمن كان قاصرًا عن فهم الأدلة؛ فليس له إلا أن يقلد من يثق بعلمه ودينه من أهل العلم.
لكن الشأن في من يقدر على فهم النصوص؛ فهذا عليه أن ينتفع بفهم العلماء، ويرجع إلى أقوالهم، ولا يقصر نفسه على معين يقلده ولا يخرج عن أقواله ولا يلتفت إلى أقوال غيره، لا؛ بل عليه أن يستفيد من كل الأئمة، ويأخذ من أقوالهم ما تشهد له الأدلة من الكتاب والسنة، فأقوال الأئمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دل عليه الدليل من الكتاب والسنة فهذا واجب الاتباع؛ لأنه يستند إلى الأصل الصحيح مهما كان قائله منهم.
والثاني: ما خالف الدليل فيجب تركه، وهذا ما أوصى به الأئمةُ المتْبُوعُون تلاميذَهم (١).
والثالث: أقوال لم تظهر مخالفتها للأدلة، ولا موافقتها لها، فهذه يقول فيها المحققون: إنها سائغة الاتباع، لا واجبة الاتباع ولا ممنوعة الاتباع؛ لأنها موضع اجتهاد.