ومن يقول: إن دوام الحوادث ممتنع، والرب لم يزل قادرًا عليها؛ فقد جمع بين النقيضين؛ لأن كونه قادرًا يقتضي أن يكون دوام الحوادث ممكنًا، فكأنه يقول: إن دوام الحوادث ممكن ممتنع، وهذا جمعٌ بين النقيضين.
وجمهور المتكلمين على امتناع دوام الحوادث في الماضي.
لكن ينبغي فهم معنى دوام الحوادث، أو تسلسل الحوادث - أي: المخلوقات -، أو حوادث لا أول لها، فمعناه: هل يمكن أن يكون ما من مخلوق إلا قبله مخلوق، وقبل المخلوق مخلوق، وقبل المخلوق مخلوق إلى ما لا نهاية له، هل هذا ممتنع؟ هذا هو معنى الكلام.
وفي تسلسل المخلوقات ثلاثة مذاهب (١):
قال جهم بامتناع دوام الحوادث في الماضي والمستقبل، فجنس الحوادث عنده لها بداية، ويمتنع دوامها في المستقبل، ولهذا قال بفناء الجنة والنار.
وجمهور المتكلمين قالوا بامتناع دوام الحوادث في الماضي، وجوازه في المستقبل.
وإقرارهم بدوام الحوادث في المستقبل حُجَّةٌ عليهم، والصواب هو: جواز دوام الحوادث في الماضي والمستقبل؛ لأنه جائز - أي: ممكن لا
(١) انظر: منهاج السنة ١/ ١٤٦، ودرء تعارض العقل والنقل ١/ ٣٥١، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة ٣/ ٩٩٦، وقِدم العالم وتسلسل الحوادث.