فالله تعالى قبل أن يخلق الخلق يعلم أحوالهم، وصفاتهم، ومن يطيعه، ومن يعصيه، لكن هل يعلمهم موجودين؟ لا؛ بل يعلم أن ذلك الشيء سيكون، فإذا وجد علمه موجودًا.
فهو تعالى يعلم من يجاهد، ومن لا يجاهد، ومن يصبر، ومن لا يصبر، ويعلم من يقبل تشريعه في أمر القبلة، ومن لا يقبل، ومن يتبع الرسول، ومن لا يتبع الرسول … إلخ.
يعلم أنه سيكون وهم غير موجودين، فإذا وُجدوا علمهم موجودين، والثواب والعقاب مرتبٌ على ما يوجد بالفعل، هذا مقتضى عدله وحكمته.
فالله لا يجزي العباد بموجب علمه قبل خلقهم؛ بل يجزيهم على ما وقع منهم بالفعل.
والله تعالى يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون، وشاهد هذا في القرآن قوله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨]، وقد حكم الله بأنهم لا يُرَدُّون ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥)﴾ [الأنبياء].
وكما دل السمع على إثبات صفة العلم؛ دل العقل عليها، وبيان ذلك: أن إيجاد المخلوقات وإحكام هذا الخلق العظيم الواسع لا بد أن يكون عن علم يقوم بالرب تعالى، ولا يُتصور أن يكون بلا - علم تعالى الله عمَّا يقول الجاهلون علوًّا كبيرًا -.
ومن الطرق العقلية - أيضًا - أن العلم يوصف به المخلوق على ما يليق به، وهو صفة كمال، فلو لم يتصف الخالق سبحانه بالعلم لزم أن يكون المخلوق أكمل من الخالق؛ وهذا ممتنع بداهةً.