للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالآجال والأعمار كلها مقدرة، ودلت النصوص على أن لطول العمر وقصره أسبابًا كونية وشرعية؛ فمن الأسباب الشرعية: صلة الرحم، وبر الوالدين، ففي الصحيحين عن النبي : «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» (١)، وفي الحديث الآخر قال النبي : «ولا يزيد في العمر إلا البر» (٢)، والتحقيق أن هذا لا ينافي القدر، فليس معناه أن هذا سبق في علم الله وكتابه أن عمره ستون سنة، ثم يحدث أنه يبر بوالديه فيزاد في عمره، لا؛ بل هذا الذي وصَل رحمه، ومَد الله في عمره جزاءً له؛ قد سبق في علم الله وفي كتابه أنه يطول عمره بهذا السبب، وكل الأمور جارية على الأسباب والمسببات، ومندرجة في قدر الله التام.

ويقال مثل هذا في الدعاء، وبعضُ أهل البدع يقول: الدعاء لا فائدة منه؛ فإن كان الله قدَّر هذا المطلوب فلا حاجة للدعاء، فهو حاصل دعوت أو لم تدع، وإن كان غير مقدر فلا فائدة في الدعاء؛ لأنه لن يحدث!

وهذا فهم باطل مبني على عدم تأثير الأسباب في مسبَّبَاتها، ويلزمهم أن يقولوا مثل هذا في كل الأسباب.


(١) البخاري (٥٩٨٦)، ومسلم (٢٥٥٧) من حديث أنس .
(٢) أحمد ٥/ ٢٧٧، وابن ماجه (٩٠)، وصححه ابن حبان (٨٧٢) والحاكم ١/ ٤٩٣، وحسنه العراقي فيما نقله البوصيري في «مصباح الزجاجة» (٣٣) من حديث ثوبان .

<<  <   >  >>