للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد دلَّ على مسألة رؤية المؤمنين لربهم القرآن، والسنة المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (١)، وأجمع على ذلك أهل السنة والجماعة؛ فأما القرآن فأصرح دليل في ذلك آية سورة القيامة التي ذكرها المصنف: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ)) أي: بهيَّةٌ مشرِقَةٌ حسنةٌ ((إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) يعني: تنظر إلى ربها، وهذا الفعل: «نَظَرَ» يأتي على وجوه في اللغة العربية (٢):

يأتي متعدِّيا «بنفسه» فيكون بمعنى الانتظار، قال تعالى: ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ)) [الأعراف: ٥٣] أي: هل ينتظرون إلا تأويله.

ويأتي متعدِّيا بـ «في» فيكون معناه: التفكر، قال تعالى: ((أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ والأرض)) [الأعراف: ١٨٥] وقال تعالى: ((أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ)) [الروم: ٨].

ويأتي مُعدَّا بـ «إلى» فيُرادُ به نظر العين، قال تعالى: ((أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ)) [ق: ٦] وقال تعالى: ((أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ)) [الغاشية: ١٧].

ومما أُستُدلَّ بها على إثبات الرؤية من القرآن قولُه تعالى: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)) [يونس: ٢٦]، وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم (٣)، وفي معناها: قوله تعالى: ((لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) [ق: ٣٥] (٤) كما استدل أهل السنة بقوله تعالى في الكفار: ((كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)) [المطففين: ١٥]، فلو كان المؤمنون لا يرونه؛ لاستووا هم والكفار.

ومما استُدلَّ به من القرآن قوله تعالى: ((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ


(١) انظر: رؤية الله للدارقطني، شرح أصول اعتقاد أهل السنةص٥٢٠، وحادي الأرواح ٢/ ٦٢٥، ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص ٢٥٠.
(٢) حادي الأرواح ٢/ ٦٢٣.
(٣) رواه مسلم (١٨١) عن صهيب - رضي الله عنه -، وانظر: حادي الأرواح ٢/ ٦٠٩.
(٤) شرح أصول اعتقاد أهل السنةص٥١٩، وحادي الأرواح ٢/ ٦١٧، وتفسير ابن كثير ٧/ ٤٠٧.

<<  <   >  >>