للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا وجه نقدهم لتعريف السلف (١) ، ومن الإنصاف أن نقول إن بعضهم ينقدون التعريف على أنه تعريف المعتزلة والخوارج، في حين يتجاسر بعضهم على التهجم على السلف، ولكن الجميع لا يعذرون بجهلهم الفرق بين مذهب السلف ومذهب المعتزلة والخوارج.

والباحث يعجب أن يقع ذلك من المتكلمين المحترفين الذين يجمعون شواذ الأقوال ويذكرون ساقط المذاهب، ومع هذا يجعلون مذهب سلف الأمة وأئمتها المقتدى بهم ومذهب الخوارج والمعتزلة سواء، أو يذكرون المذاهب كلها - حتى ما انقرض منها - إلا مذهب السلف، مع إنهم في معرض التقسيم والحصر.

وأعجب من ذلك وأسوأ أن يقوم بعضهم بتحريف كلام السلف ليوافق رأيه ومذهبه كما فعل أبو حامد الغزالي (٢) وشارح كلامه الزبيدي، فقد قالا شرحا لقول السلف ومن اتبعهم: إن الإيمان يزيد وينقص (٣) : " (فيه (٤) دليل على أن العمل) بالجوارح (ليس من أجزاء الإيمان) التي تتركب منها ماهيته، (و) لا من (أركان وجوده) بحيث لا يوجد ولا يتحقق إلا به كما هو شأن الركنية، (بل هو مزيد عليه، ويزيد به) إذا وجد معه وينقص إذا انعدم. (والزائد موجود والناقص موجود) وهو العمل، (و) لا يخفى إن (الشىء لا يزيد بذاته، فلا يجوز أن يقال الإنسان يزيد برأسه) ؛ لأنه جزؤه الذي تتم به إنسانيته، (بل يقال: يزيد بلحيته) ، (وسمته) هو السكينة والوقار.

ولا يجوز أن يقال: الصلاة تزيد بالركوع والسجود؛ فإنهما من صلب الصلاة كما يعرف من حدها الشرعي - ذات ركوع وسجود - (بل تزيد بالآداب والسنن الواردة في السنة)


(١) وقد يكون لهم أوجه أخرى، وإنما المقصود والنتيجة عندهم أن هذا التعريف لا يفيد تصور الماهية، وهذا لا خلاف فيه، ولهذا قررنا أن أصل القضية هو التعريف ليس المقصود منه تصور الماهية أبدا.
(٣) أصل الخطأ في منهج الغزالي هو أنه دمج بين منهج القرآن ومنهج أرسطو، واعتبر أن المراد بالقسطاس المستقيم في القرآن هو المنطق، وأن الأشكال المنطقية هي " الموازين الخمس " كما سماها وهى أساليب القرآن في الجدال، وقد فصل القول في كتابه الذي سماه القسطاس المستقيم، وهو مطبوع بأول الجزء الأول من مجموعة رسائله المسماة القصور العوالي، جمعها محمد مصطفى أبو العلا.
(٤) ذكرت كلام الغزالي مع شرح الزبيدى واضعا المتن بين الأقواس خارجها.
(٥) أي القول بأنه يزيد وينقص.

<<  <   >  >>