للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يظهر أنه مع اشتراك كل المرجئة في الخطأ - الذي هو تصور حد معين ثابت - يتفرد القائلون بإثبات الزيادة والنقصان بزيادة فيه؛ وهو إنكارهم لأول عبارة السلف (أي قول وعمل) ، وإيمانهم بآخرها (يزيد وينقص) ، مع تأويله بما يوافق مذهبهم (١) .

وأما الحيدة عن موضوع النزاع - في كلام أبي حامد - ففي قوله: " لا يزيد بذاته الخ "؛ فإن السلف لم يقولوا إن الشيء يزيد بذاته، وإنما موضع النزاع هو هل الشيء تزيد ذاته وتنقص أم لا؟

فالسلف يدخلون الأعمال في ذات الإيمان وحقيقته، ولا يقولون إنها زائدة على الذات كالمرجئة، وما ذكره من الأمثلة هي عليه لا له؛ فإن السلف لا يقولون إن الإنسان يزيد برأسه، ولا إن الصلاة تزيد بالركوع، وإنما يقولون ما معناه: إن الإنسان في حقيقته المجتمعة قابل للزيادة والنقص، والصلاة في حقيقتها قابلة للزيادة والنقص؛ فإن الإنسان يمكن أن يكون عملاقاً وأن يكون قزماً، ويمكن أن يقتطع منه عضو كبير أو صغير، وكذلك الصلاة يمكن أن تقع تامة وأن تقع ناقصة والنقص يتفاوت من ترك الركن إلى ترك المستحب.

وهذا مثل جميع الأعيان والذوات الواقعة في الخارج كالشجرة والكتاب يقبل الزيادة والنقصان إذا تعين خارج الذهن؛ فتقول: هذه الشجرة كبيرة أو صغيرة، وكتاب كذا صغير أو كبير ونحو ذلك، ولا يدل ذلك على وجود ذاتي معين للمسمى نقيس به الزيادة والنقصان.

فقول الغزالي والزبيدي: " فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود في حد ذاته، ثم بعد الوجود تختلف حاله.. " هو خلط بَيِّن بَيْن ما في الأذهان مجرداً وما في الوجود معينا، فهو كما لو قيل: الإنسان له وجود في حد ذاته، ثم بعد الوجود تختلف حاله بين أن يكون طفلا أو رجلا، أو الشجرة أو الكتاب لكل منهما وجود في ذاته ثم بعد الوجود تختلف حاله في الصغر والكبر ونحو ذلك.

<<  <   >  >>