للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل، ولم أكتب عمن قال: الإيمان قول " (١) .

وأما إن كان المراد من التعريف هو تصوير الماهية وإثبات الكليات المجردة خارج الذهن - على ما يزعمه هؤلاء - فهذا هو المحال بعينه، وقد نزه الله هذه الأمة - إلا من أبى - عن التكلف فيما لا قبل لها به.

والمناطقة من أولهم إلى آخرهم قد تكلفوا وضع حد منطقي لماهية الإنسان وحقيقته المجردة، واعتصروا أدمغتهم فلم يستطيعوا أن يأتوا بحد لا اعتراض عليه بينهم، وأشهر حدودهم هو - كما ذكرنا - "حيوان ناطق" وعليه من الاعتراضات ما لا يستطيعون رده (٢) . فكيف يكون حالهم في الحقائق الشرعية المعنوية والغيبيات عامة؟! هذا مع أن الله سبحانه وتعالى قد أراحنا وهدانا وبين لنا الإيمان المطلوب منا ولم يكلفنا أن نبحث في ماهية مطلقة له، فكيف يظن هؤلاء أنه تعالى يرضى أن يردوا ما أنزل في كتابه وعلى لسان نبيه من الحق بما يرتبونه على إثبات هذه الماهية المختلفة (٣) ؟!!

ولو أننا تنزلنا مع المناطقة أكثر من هذا لقلنا: إن المناطقة يقررون أن للسؤال أداتين هما: ما وأي؛ فالأولى للسؤال عن الماهية والحقيقة، والأخرى يسأل بها عن المميز عما يشاركه في الجنس.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاب عن هذين السؤالين في الإيمان؛ ففي حديث وفد عبد القيس سألهم صلى الله عليه وسلم بنفسه: " أتدرون ما الإيمان؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ... " إلخ الحديث.

وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان - أو: أخبرني عن الإيمان؟ - وهما روايتان صحيحتان والمؤدى واحد؛ وهو تمييز الإيمان الخاص عن الإسلام الخاص فإنه سأله عنهما معاً، وكلاهما يشترك في اسم الدين كما قال في آخر الحديث: "هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم" أو "يعلمكم دينكم".

وعليه ترجم البخاري للباب بقوله: (باب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان ... ثم قال: جاء جبريل عليه السلام يعلمكم دينكم فجعل ذلك كله دينا) .


(١) اللالكائي، القسم المخطوط، لوحة ١٦٥ ا.
(٢) منها أنه يصدق على الملك أو الجني كما يصدق على الإنسان، وانظر: الرد على المنطقيين ص٥٧ - ٥٨.
(٣) أي إنكارهم دخول العمل في الإيمان بناء على أنه ليس من الماهية!!

<<  <   >  >>