للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال البخاري عقب انتهاء الحديث: (جعل ذلك كله من الإيمان) (١) . أي الإيمان العام المرادف للدين.

والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب من هو خالي الذهن عن حقيقة الإيمان - أو في منزلة خالي الذهن - بالجواب المعروف (٢) الذي لا علاقة له قط بالجواب المنطقي - الذي ينتج عنه تصور الماهية، والذي يذكر فيه الجنس والفصل، أو الفصل وحده، أو الخاصة وحدها.. الخ - ومع ذلك حصل به المراد على أتم وجه وأجلى بيان.

ولم يكتف بعدوله عن ذلك، بل أعاد اللفظ المسؤول عنه في الجواب؛ فإن جبريل سأله: "ما الإيمان؟ " فأجاب: " أن تؤمن بالله.." وهذا مما لا يقره المناطقة؛ لأنه تعريف للشيء بنفسه يلزم منه الدور!!

فها هنا أمر عظيم وموقف خطير، وهو أن أحد التعريفين خطأ شرعاً: إما تعريف النبي صلى الله عليه وسلم، وإما المتكلمين الجاري على قواعد المنطق!!

ونحن لا كلام لنا إلا مع من يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وإليه نوجه السؤال! وأما الكافر برسالته فلا كلام معه؛ لأنه - على الأقل - لا يدعي أن تعريفه المنطقي تعريف شرعي، ولا أحد من المسلمين يتلقى عنه دينه، وهو كافر بما هو أعظم من هذا.

ولا مخلص للمتكلمين إلا بالإقرار بخطأ المنهج المنطقي - إن لم يكن في كل شيء ففي الشرعيات على الأقل - اللهم إلا أن يقولوا: أن كلامنا هذا فلسفة محضة لا علاقة لها بالشرع، وعليهم حينئذ أن يجردوا كتب العقيدة من هذا كله، وينفوا عن أنفسهم صفة الاشتغال بعلم التوحيد كما يسمونه.

وليت الأمر اقتصر على المتكلمين، ولكنه تجاوزهم إلى شراح السنة الذين تأثر بعضهم بهؤلاء، ونقلوا كلامهم في مباحث الإيمان وعارضوا به إجماع السلف - كما سيأتي مفرقا - ومنه هذه المسألة:


(١) فتح الباري (١/١١٤) ، وانظر: مسلم رقم ١
(٢) نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن جواب النبي صلى الله عليه وسلم هو كما يجاب المحدود بالحد. الإيمان، ص٧، لكنه حد شرعي.

<<  <   >  >>