للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظره أن إنكار السفسطيين لحقائق الذوات المشخصة لا يرقى إلى القدح في وجود الماهيات المطلقة.

ومن هنا ظهرت لدى المؤمنين بفلسفته ضرورة التشبث بإثبات هذه الماهيات لتظل المعقل الأخير أمام هجمة التشكيك السفسطية.

وعلى هذه القاعدة بنى أرسطو ما يسمى "المنطق" - كما سبقت الإشارة - وفصل الحديث عن الكليات الخمس التي أهمها "النوع" الذي هو تمام الماهية، وهو الكلي المقول على كثيرين متفقين في الحقيقة في جواب "ما هو" مثل: حيوان ناطق، في جواب "ما الإنسان".

وإثبات هذه الكليات لم يقتصر على مبحث التصورات، بل تعداه إلى مبحث التصديقات حيث اعتمد المنطق على "قياس الشمول" دون "قياس التمثيل (١) "، بل غالى المناطقة حتى أسقطوا قيمة قياس التمثيل بالمرة، واعتبروا التعريف بالمثال من أنواع التعريف الخطأ (٢) .

تلك هي أصل قصة وجود الأنواع خارج الذهن عرضناها دون الإطالة بردها ونقضها (٣) ، وحسبنا أننا رأينا كيف أن الفلسفة اليونانية المتخبطة قد عالجت جنون السفسطة - التي تنكر الحقائق الحسية - بعوج المنطق الذي لم يجد سبيلا إلى


(١) قياس الشمول: إثبات حكم الكل للجزء، وقياس التمثيل إثبات حكم النظير لنظيره، وهو المعروف في أصول الفقه، ومع تلازمهما فالأخير هو الأقرب للعقل والفطرة، بل هو الذي جاء به القرآن (في معناه العام) . انظر: الرد على المنطقيين، ص١٦٢،٢١١، ومجموع الفتاوى (١٣/١٦/١٧)
(٢) وهذا أثر من آثار ردة فعلهم إزاء السفسطة؛ لأنه من قبيل الاستدلال بالذوات على الذوات، والسفسطة تنكر حقائق الذوات كلها، فأنكروا قياس التمثيل والتعريف بالمثال.
(٣) وحسبنا في الرد عليهم أمور:
١ - أن هذا تخرص وتحكم اختلقته ظنونهم بلا أي دليل من وحي أو عقل.
٢ - أن الحدود التي أتوا بها لتصور الماهيات معترض عليها باعتراضات كثيرة، ولو وقفت المعرفة البشرية على ما يسلم لهم منها لكانت في منتهى الضآلة، فلا يثبت للبشر معرفة ولا علم.
٣ - أن التفريق بين الذاتيات الداخلة في الماهية والعرضيات اللازمة لها أمر متعذر أو متعسر باعتراف المناطقة (اليونان والمنتسبين للإسلام) ، ولهذا أقر كثير منهم بأن حدودهم إنما هي في الحقيقة رسوم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!
٤ - ‍‍‍‍أن أذهانهم إنما تصورت ماهية مجردة لأي شيء - كالإنسان مثلا - من واقع معرفتها لآحاد الناس في علام الواقع، وهي معرفة سابقة للخوض في الماهية، فبإمكان السفسطي أن يقول إن هذا من الدور الممتنع؛ لأن موضع النزاع هو حقيقة الآحاد، فكيف تركبون منها حقيقة كلية بزعمكم ثم تستدلون بها على وجود الآحاد نفسها!!
وللمزيد انظر: الرد على المنطقيين، وخاصة الصفحات: من ١٤ - ١٥، ٤١ - ٤٧، ٧٦- ٤٨، ٣١٧،٣١٨، والإيمان: ص ١٠٩، ٣٨٧ - ٣٩٠

<<  <   >  >>