للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* القضية الثالثة: تماثل أفراد النوع في الحقيقة والماهية:

علمنا مما سبق أن المنطق هو قواعد نظرية من اجتهاد رجل يوناني أراد به غرضاً معيناً - هو الرد على السفسطة - وسواء وفق هذا الرجل في عمله أو لم يوفق فإنه من المبالغة القصوى والتقديس المتناهي أن يقال: إن ما وضع من رأي واجتهاد هو معيار المعرفة الإنسانية الذي تعصم مراعاته الذهن من الخطأ (١) ، والذي لا تستطيع بغيره أن ندافع عن ديننا ونصد هجمات الملحدين والمشككين، ولا فيما هو أعظم من ذلك وهو معرفة الحقائق الشرعية، ولا فيما هو أعظم وهو معرفة صفات الله تعالى ما نثبته منها وما ننفيه ‍‍‍‍.

ولقد أصبح من الحقائق المقررة أن العلم البشري - جملة - له حدود لا يستطيع تجاوزها، وأن إخضاع عالم الغيب لما علمه البشر من عالم الشهادة - وهو ضئيل جدا - أمر في غاية الاعتساف والغرور، فما بالك بمن يخضع الوحي المعصوم والعلم الإنسانى بكامله لفكر رجل واحد عاش في أمة جاهلية قديمة كانت البشرية ما تزال تحبو في أدنى درجات العلم (٢) ؟

غير أن الذي حصل في تاريخ الإسلام كان بخلاف هذه الحقيقة، وقد اجتمعت له أسباب كثيرة منها المؤامرات والدسائس الحاقدة، ومنها الاجتهادات المخطئة، ومنها المتابعة بلا بصيرة، ومنا الترف الفكرى.. إلخ.

وكانت النتيجة أن أخضع الوحي - منة الله الكبرى على العالمين ونعمته العظمى للثقلين - لآراء الخراصين وتوهمات المضلين، فأخضعت الحقائق الشرعية للمقاييس اليونانية، وصدق من يسمون علماء الكلام أن التصورات لا تنال إلا بالحدود على النحو الذي قرره أرسطو وفرفريوس. وطبقوا ذلك على الموضوع الأكبر الذي شغل الأمة منذ ظهور الخوارج وهو موضوع الإيمان (٣) ، فوضعوا سؤالا هو: ما الإيمان؟ وأخذوا يبحثون في جوابه على الأسلوب المنطقي الذي يقصد من التعريف " تصور الماهية " - كما سبق في القضية الأولى -.


(١) هكذا يعرف المناطقة المنطق.
(٢) من الثابت أنه لم تظهر قبل الإسلام أية دعوة إنسانية " عالمية " على الإطلاق؛ فإن دعوات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كانت إقليمية، فما بالك بأفكار المضلين من الفلاسفة وكهنة الديانات الوضعية؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍
(٣) قد كان أكبر مسائل الخلاف حتى ظهر الخلاف في موضوع الصفات.

<<  <   >  >>