للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن طبيعة الحد أو التعريف أو القول الشارح - وهي ألفاظ مترادفة - أنه مفهوم كلي يندرج فيه كل ما يصدق عليه اللفظ المعرف، والنوع الذي هو أحد الكليات الخمس عندهم هو تمام الماهية، فمتى كان التعريف بالحد التام - أي المشترك الذاتي - "الجنس" والمميز الذاتي "الفصل" معاً حصل تصور تمام الماهية المعبر عنه بالنوع.

والخطأ الأساسي الذي وقع فيه أرسطو ويقع فيه كل المناطقة أنه - مع زعمه أن التصورات لا تنال إلا بالحدود - وضع الحد بناء على تصور سابق، وهذا هو "الدور" الذي يقولون بامتناعه؛ وذلك أن أرسطو نظر إلى آحاد الناس مثل زيد وبكر وعمرو وحلل صفاتهم مميزاً بين الذاتيات الداخلة في الماهية والعرضيات اللازمة والعرضيات غير اللازمة، واستخرج من الذاتيات الداخلة في الماهية - في نظره - ماهية الإنسان وحقيقته التي هي القدر المشترك من هذه الذاتيات وهي كما زعم " الحيوانية والناطقية " معاً (الصفة الأولى جنس والأخرى فصل) كما سبق.

ثم أثبت وجود هذه الماهية في الخارج أى في الوجود الحقيقي - كما في القضية السابقة - وهذه الماهية هي عنده وجود مطلق لا يوصف بالزيادة ولا بالنقصان ولا بأي صفة أخرى، بل كل من ينطبق عليه اسم الإنسان من الآحاد فهذه الماهية متحققة فيه على السواء بحيث أنه لو قلنا إن فردا من أفراد النوع أقوى من الماهية أو أضعف لكان هذا إثباتا لنوع آخر (١) .

ولهذا اعتبر أرسطو تمام الماهية هو التعريف أو الحد، وجاء المناطقة بعده وعلى رأسهم فرفريوس المتوفى سنة (٣٠٣ م) فسموا تمام الماهية "النوع" والخلاف لفظي (٢) . والمهم لنا هو أنهم عرفوا النوع بأنه (الكلى المقول على كثيرين متفقين في الحقيقة في جواب ما هو) (٣) .

فالقول باختلاف الحقيقة يتنافى وهذه الماهية (٤) ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.


(١) لأن الذاتي لا يقبل الزيادة ولا النقصان بزعمهم، انظر: المثل العقلية الأفلاطونية، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، ص ١٣٦ - ١٣٩.
(٢) انظر المرشد السليم، ص٦١، وهامش ص ٣١.
(٣) المصدر السابق، ص٨٥٨، وتسهيل المنطق، ص ٣٠.
(٤) وهذا حق ولهذا ثبت لدينا بالشرع أن الحقيقة الإيمانية مختلفة بحسب الأفراد لم نثبت لهم ماهية مطلقة.

<<  <   >  >>