للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الخطأ نفسه بما فيه من "دور" وقع فيه المتكلمون حين أرادوا تعريف الإيمان متبعين المسلك المنطقى - أي تعريفه من حيث هو ذاته كما يقولون، فقد نظروا أولاً إلى ما يطلقون عليه اسم الإيمان من الآحاد على تفاوتهم واستخرجوا القدر المشترك بينهم - الذي اعتبروه الصفة أو الصفات الذاتية الداخلة في الماهية وجعلوا هذا القدر هو حقيقة الإيمان وماهيته المجردة.

وبعد أن تصوروا هذه الماهية وعبروا عنها كل بحسب لفظه، أخذوا يحكمون على أي فرد بأنه مؤمن بناء على وجود هذه الماهية لديه أو عدمها، ثم وصفوا هذه الماهية بما وصف به المناطقة النوع، فقرروا أن المؤمنين سواء في إيمانهم، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص لأن نقص الماهية عدم، وقبولها الزيادة دليل على النقص وهو عدم، فكذلك الإيمان شك، وقبول الزيادة يعني أنها ناقص فهو شك.

وهذا تفصيل ما أجملناه:

١- الأفراد التي استخرجوا منها القدر المشترك "الماهية":

يطلق المرجئة اسم الإيمان على كل من هؤلاء:

أ - جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم " بدلالة الإجماع ".

ب - من أقر بالإيمان ولم يعمل شيئاً " بدلالة حديث الجارية بزعمهم " (١) .

جـ - من صدق بقلبه ولم يقر بلسانه " بدلالة اللغة، ولأن الكلام عندهم هو الكلام النفسي " (٢) .

وطبيعي أن بين هذه الدرجات في الإيمان درجات كإيمان أواسط الصحابة وإيمان الفاسق من أهل الصلاة، ولكن هذه المراتب الثلاث هي كالأركان نظرياً.

٢ - فلما أرادوا استخراج القدر الكلي المشترك ين هذه الدرجات ليتصوروا ماهية الإيمان وحقيقته مع حذف صفاتها العرضية، كان طبيعيا ألا يدخلوا الأعمال في الإيمان لأنها مفقودة بكاملها عند أصحاب الدرجة (جـ)


(١) التي قال النبي صلى الله عليه وسلم لمولاها: " أعتقها فإنها مؤمنة " بعد إقرارها، وسيأتي تفصيل الحديث عنه وتخريجه ص ٧١٦ وما بعدها.
(٢) على ما سبق، وسيأتي في الفصل الذي بعد هذا.

<<  <   >  >>