للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختلفوا في إدخال النطق باللسان الذي هو موجود عند أصحاب الدرجة (ب) لكنه مفقود عند أصحاب الدرجة (جـ) : أهو ذاتي داخل في الماهية أم لازم عرضي (١) .

٣ - ومن هنا جاءت حدودهم - أو تعريفاتهم - للإيمان خالية من ذكر عمل الجوارح، بل محصورة في عمل قلبي واحد هو التصديق أو الاعتقاد كقولهم: (الاعتقاد الجازم المطابق للواقع بدليل) ، أو (التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وكان معلوما بالضرورة) ، أو (اعتقاد صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به) ، وما أشبه ذلك مما تجلى عند ذكر نصوصهم في اشتراط النطق أو عدمه.

والمهم أن قاعدة (تساوى أفراد النوع في حقيقته وماهيته) التي استعاروها من المنطق وطبقوها هنا أفسدت عليهم تصورهم، وجعلتهم يعرضون عن كل النصوص الواردة في زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضل أهله فيه ودخول الأعمال فيه ويتعسفون في تأويلها حتى تسلم لهم هذه القاعدة.

ومن أخطر النتائج التي رتبوها على ذلك قولهم بتساوى إيمان الملائكة والأنبياء كجبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم، مع إيمان الفساق المنهمكين في الفسق بل وإيمان من لم يقل لا إله إلا الله بلسانه، وإنما صدق بقلبه بزعمهم.

وهذه النتيجة مع منافاتها للبدهيات الثابتة عند عوام المسلمين سطروها وقرروها بإطناب وإسهاب، فلما صدمهم اعتراض المسلمين التمسوا تقييدات واهية تغض من مقام النبوة أكثر مما ترفعه عن مستوى الانهماك في الفسق ‍.

ونكتفي من كلامهم بنصين عن رجلين من كبار أئمتهم المتقدمين:

أبو بكر بن فورك: أحد كبار الأشاعرة المتوفى سنة ٤٠٣هـ أو بعدها.

وقد شرح كتاب العالم والمتعلم المنسوب للإمام آبى حنيفة، وأطال في تقرير هذه القاعدة حتى استغرقت منه أكثر من عشر لوحات (٢) بكلام فلسفي مجرد، نذكر


(١) انظر الخلاف بينهم في النطق بالشهادتين: أهو شطر أم شطرين؟ في مبحث حكم ترك العمل ص ٤٩١ حتى نهاية الباب.
(٢) اللوحات من ٦١- ٧١ من الشرح (مخطوط) .

<<  <   >  >>