للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى مثل هذه الشبه الواهية اعتمد أتباعهم في الحكم على من يدخل العمل في الإيمان بأنه موافق لمذهب الخوارج (١) ، ناسين أن هؤلاء موافقون موافقة تامة لرأي الفلاسفة!

هذا، وقد سبقت الإشارة إلى أن المنطق في ذاته لا يقتضي بالضرورة إخراج العمل من الإيمان أو القول بأنه لا يزيد ولا ينقص، ونزيد هذا إيضاحا فنقول: إن المرجئة لو تركوا مبحث التعريف بالمرة، واكتفوا بما يذكره المناطقة في مبحث الأسماء (نسبة الاسم للمعنى) وهو قولهم أن:

" الكلي ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: المتواطئ؛ وهو الذي تستوي جميع أفراده في صدق الكلي عليها واشتراكها فيه، مثل إنسان ومثلث وشجرة ‍‍

والقسم الثاني: المشكك، وهو الذي لم تتساو أفراده في صدق الكلي عليها، وذلك بأن يكون المعنى المقصود من الكلي أولى في بعضها من البعض الآخر، أو أقدم منه، أو أشد، أو أقوى، وذلك مثل الضوء فإنه في الشمس أقوى منه في المصباح " (٢)

أقول: لو فعلوا ذلك واعتبروا الإيمان من القسم الأخير لأراحوا واستراحوا، لكن الذي حصل هو العكس فإنه لما فطن متأخروهم إلى هذا أخذوا يتعسفون في تخريجه كى يوافق المذهب، وخاضوا في "ماهية المشكك" فعاد الأمر إلى قضية الماهية التي لم يستطيعوا التخلي عنها!!

يقول صاحب المسامرة بشرح المسايرة: " (والحنفية، ومعهم إمام الحرمين (٣) وغيره) وهم بعض الأشعرية، (لا يمنعون الزيادة والنقصان باعتبار جهات هي) أي تلك الجهات، (غير نفس الذات) أي ذات التصديق، (بل بتفاوته) أى بسبب تفاوت الإيمان باعتبار تلك الجهات، (يتفاوت المؤمنون) عند الحنفية ومن وافقهم، لا بسبب تفاوت ذات التصديق.


(١) كما ذكر ابن الهمام في المسامرة، حين قال: " إن ضم الطاعة إلى التصديق هو قول الخوارج، ولذا كفروا بالذنب لانتفاء جزء الماهية ". انظر: المسايرة شرح المسامرة، ص١٤، وتبعه الزبيدى.
(٢) المرشد السليم، ص ٤٩- ٥٠.
(٣) هو أبو المعالي الجوينى، وقد سبق كلامه.

<<  <   >  >>